استيقظت على صوت جلبة في المطبخ، كانت تعرف أن زوجها يعد قهوة الصباح، وكانت تنتظرها بفارغ الصبر، لأن القهوة التي يعدها لذيذة جداً، غنية بالطعم الطيب والرائحة الممتعة التي تبعث على النشاط، كما أنها عبقة بالمشاعر الدافئة ومزيج من الحب والحنان والهال.. وكانت تلك إحدى عاداته الجيدة.
ولكنها عندما دخلت المطبخ بعد ذلك رأت ما أحدث فيه من الفوضى وكانت تلك إحدى عاداته غير الجيدة، وفي كلتا الحالتين ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة.. إنه زوجها وهي معه هما كيان الأسرة، كانت مشاعر الحب الزوجي وما تنطوي عليه من مودة ورحمة تجعل كلاً منهما يتقبل الآخر ويأنس إليه ويحب قربه الروحي والجسدي والعمل معه في إسعاد الأسرة وإعداد الطعام وتربية الأولاد، ورعاية العلاقة الزوجية الحميمة بكل ما تمثله من حقوق وواجبات وآداب، وبذلك يكون كل صباح ويوم جديد يوماً مليئاً بالعمل والنشاط والمشاعر والمودة..
لقد كانا معاً يكذبان المقولة البالية التي يتمترس وراءها الفاشلون عندما يقولون: إن الألفة تفقد الاحترام أو إنها في الحياة الزوجية تسبب الملل والسأم.. فالألفة التي يصنعانها يومياً هي ألفة توظف الزمن لتجديد محبتهما وتعاونهما.
الشعور بالأمان
والحقيقة أنه عندما ينعم الشخص بعدم وجود ما يهدده أو يبعث فيه الخوف، فإن ذلك يجعل حالته النفسية مفعمة بالأمان والألفة، وهذا هو ما تؤمنه الحياة الزوجية السعيدة من إحساس بالراحة والسعادة والأمان وعدم الخوف من المستقبل أو توقع الشر في عالم مضطرب.
وفي هذا العصر الذي يستهلك الفرد فيه الكثير من طاقته خارج نطاق الحياة الزوجية، في العمل اليومي خارج المنزل وممارسة الهوايات والعمل الاجتماعي ورعاية الأولاد، ولذلك فإنه بعد مرور السنوات الأولى من الزواج فإن العلاقة الزوجية تصبح بمثابة العمود الفقري النفسي الذي يستند إليه كل من الزوجين، يلتمسان منها القوة والثقة وشجاعة أكبر في مواجهة العالم الخارجي بما فيه من مسؤوليات ومتاعب.
هذه العلاقة التي تستند إليها وتعتمد عليها وتركن إليها إذا لم تمنحها من وقت إلى آخر ما تستحق من اهتمام وعناية وتوكيد، فإنك تخاطر بفقدان ذلك الموئل الذي ترتاح إليه ويمدك بالدعم والقوة.
والحقيقة أن العلاقة الزوجية الحميمة، يمكنها أن توجد في حياة الزوجين حضوراً مستمراً مؤثراً يمكنهما الاعتماد عليه ويجعلهما حيث إن كلاً منهما مهما امتلك من القوة فإنه لا يجد الملاذ الآمن إلا في بيته عندما يأوي إليه، وإلى أحضان الزوجية ليبث همومه ومشاكله ويجد السلوان والمعونة..
أليس الزوج يشكو لزوجته المصاعب التي يواجهها مع رئيسه المتزمت في ا لعمل، أو ما يلقاه من إساءات الآخرين؟!
أوليست الزوجة هي من يعود إليها زوجها بعد أن تخلص من ضيوف ثقلاء اضطر للابتسام في وجوههم، فيمسح أمامها بسمته الزائفة، ليبتسم في حضورها بسمة أخرى صادقة حلوة.
هذا الزوج أو الزوجة هو الشخص الذي هو آخر من تراه عند المساء، وأول من تراه في الصباح، يشعر كل منهما بالأمان في جوار الآخر ويشعر بأنه نعمة كبرى، وهذا من فضائل العلاقة الزوجية السوية.
ولكن مع الأسف فإن كثيرين وكثيرات لا يقدّرون هذه النعمة أو يتغاضون عنها مع أن وجود كل منهما إلى جانب الآخر في حياة مشتركة دائمة يتيح لهما استفادات كثيرة قيمة.. منها أنك تجد من يصغي إليك ويتفهم مشكلاتك بجدية واهتمام، ويعطيك النصح المخلص ويكون لمواساته واستجابته الحانية لآلامك أو مرضك لمسة شفاء قوية تضاف إلى رصيدكما العاطفي.. كما أن العلاقة الزوجية تتيح للزوجين أن يجنيا معاً مكافآت كثيرة عاطفية وجسدية وروحية قيمة.
تحقيق الذات
ومن مزايا العلاقة الزوجية الحميمة أنها تجبر كلاً منهما على أن يظهر نفسيته الأصلية، وهي حالة نفسية مريحة في تحقيق الذات وفي التقدم في الحياة الطيبة.
في البيت يعيش الزوجان من دون ماكياج أو قناع من الزينة والأزياء، بل يبدو كل منهما في حالته الطبيعية من دون تصنع أو خداع، وعندما يتقبل كل منهما الآخر هكذا بحب وإخلاص وفيّ، فإن ذلك يكون مبعث رضا واطمئنان وسلام نفسي عميق.
