منى كريم مديرة المنتدى
عدد المساهمات : 6767 العمل/الترفيه : وكيلة بالازهر
| موضوع: حكم الشركة مع غير المسلم في الفقه الإسلامي- الثلاثاء 20 أكتوبر - 15:13 | |
| بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .وبعد. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] فإن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون لغاية وحكمة يُدركها الله وأوضح بها عباده مستخدما بصور ووسائل شتى، مرسلاً إليهم نبيّا أمينا أدى رسالته على الوجه المطلوب وهي أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا إذ عبادة الله كما رسمها خالقهم تُنجي عنهم من المحاذير والوقوع فيمالا يُحمد عقباه في الدارين؛ ولكن العبادة بمفهومها الأعمق والأشمل أوسع بكثير من أن تحصر بمسائل معينة ومعدودة؛ لأن العبادة تشمل جميع مناحي الحياة العلمية والعملية بدءاً من الولادة حتى الوفاة إذ المطلوب أن يستصحب الإنسان مفهوم العبادة في شؤونه كلّها وفي مختلف الميادين .وحيث أن الدنيا مبنية على الحراك المتبادل والأخذ والعطاء نظم الله سبحانه وتعالى تنظيما يُعد من أروع الأنظمةِ والتي لم تستطع البشرية حتى الآن إدراك بعض أسراره الكامنة وراء هذا التنظيم، فاستجاب المؤمنون لنداء ربهم دون تردد مسرعين ومهرولين إلى الامتثال بأوامر ربهم المنصوصة بهذا النظام الرباني.ومسألة الاقتصاد والمعاملات المالية من المسائل التي اهتم بها القرآن الكريم وعكف عليها المفسرون الحاذقون، كما اهتمت السنة النبوية بهذا الفن أيضا، وأبدع وأتقن شُرّاح السنن وأحاديث الأحكام أيّما إبداعٍ وإتقانٍ، وأتى بعدهم الفقهاء المتقدمون والمتأخرون، فألفوا المختصرات والمطولات وقدموا وأخروا وحذفوا وأضافوا واختلفوا الاختلاف الممدوح وأنتصر كل لمذهبهِ وشيخهِ وطريقتهِ، ومع ذلك كانت قلوبهم متقا ربة ومتآلفة وجهودهم كلها كانت تصب لمصلحة الدين والإسلام .وبما أن الدستور الإلهي قد نظم الحياة بين المسلمين في أمورهم واحتياجاتهم كلها نظم ورتب أيضا علاقة المسلم مع غيره من الأديان الأخرى بزوايا وأطراف كثيرة، وفي جوانب متعددة نهى بعضها عن التعامل مع غير المسلم كليّةً، وأجاز بعضها بشروط وفصل بعضها بالتفصيل المطول الذي يُتعب الباحث ويُحيره مما يجعلك تعكف في المسألة الواحدةِ أسابيع وربما شهوراً؛ ولكن البعض يعدُ هذا ثراءاً وكنزاً من كنوز الفقه الإسلامي الّذي لولاهُ لم نستطع أن نكيّفَ ونتوصلَ ونستنبطَ الأحكام والمستجدات الفقهية والمسائل المتجددة في كل يوم. ومهما يكن من أمر فإن المسألة التي بين أيدينا هي من المسائل التي تمس وتدعوا إليها الحاجة في وقتنا الحاضر؛ نظرا لتداخل وترابط الناس بعضهم مع بعض، وقلّة المعاملات الماليّة الإسلاميّة الصرفة، وتوحد النظام المصرفي العالمي والاقتصادي، وتواجد كثير من الأقليات الإسلامية في البلدان غير الإسلامية حيث المسلم في تلك البلدان يُعاني المنافسة الشديدة من غير المسلمين مما يودي بدوره إلى ضرر ومشقة كبيرة للمسلمين، وهم بحاجة إلى توضيح الحكم الشرعي الذي يوضح ويبيّن مدى جواز الشركة مع غير المسلم في عقود المقاولات والتوريد والصيانة وأنواع الشركات الأخرى المختلفة. وعليه فإنني سوف أتناول هذه المسألة من زاوية فقهية موردا الأدلة من الكتاب والسنة النبوية وأقوال الفقهاء دون تعصب مشيرا إلى ماترجح لدي من هذه الأقوال.ونزولاً عند رغبةِ وطلب متابعي هذه السلسلة سوف أختصر المسألة باختصار شديد غير مخلٍ بجوهر المسألة ومضمونها.أولا: تعريف الشركة لغة واصطلاحا. الشركة في اللّغة: الشَرِكة والشَرَكة سواء وهي مخالطة الشريكين، وقد اشتركا وتشاركا، وشارك أحدهما الآخر.[1]الشركة اصطلاحا:" الإجماع في استحقاق أو تصرف"[2] أوهي "عقد أو اتفاق بين شخصين أوأكثر بأن يساهم كل واحد منهم في مشروع مالي بتقديم حصّة من مال أو عمل لاقتسام ماينشأ عن هذا المشروع من ربحٍ أو خسارةٍ، وللشركة الشخصيّة المعنويّة طبقا لقانون ذلك البلد".[3]ثانيا: مشروعية الشركة.أ- قوله تعالى: [ فهم شركاء في الثلث] [ النساء 12].وجه الدلالة من الآية: أن الله تعالى جعل الوارثين للكلالة إن كانوا أكثر من واحد من الإخوة مشتركين في الثلث فدل ذلك على مشروعية الشركة في العموم.ب- قوله تعالى: [ وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم] [ص24].وجه الدلالة من الآية: أن داود عليه السلام أشار إلى الشركة فدلت إشارته مع السكوت، والفصل بينها في ما يتعلق بها على مشروعية الشركة في الجملة، ولو كانت غير جائزة لمنع منها.ج- حديث الرسول-صلى الله عليه وسلم- الذي رواه أبوداود والبيهقي والدار قطني عن أبي هريرةt[ قال الله تعالى: أنا ثالث الشريكين مالم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان خرجت من بينها].وجه الدلالة من الحديث: أن النبي r يحكي عن ربه أن الله تعالى يبارك للشريكين شركتها مالم يخن أحدها صاحبه، وهذا يدل على جواز الشركة في الجملة.د- روى الإمام أحمد في سننه عن السائب المخزومي t أنه قال للنبيr:[ كنت شريكي في الجاهليّة، فكنت خير شريك، كنتَ لاتداريني ولا تماريني].وجه الدلالة من الحديث: أن النبيr كان شريكا للسائب المخزومي وقد جاء يوم الفتح مُذكِراً بشراكته وصحبته، فلم ينكر عليه، ولو كانت الشركة محرمة لصوّبه النبي الكريمr فدل ذلك علي مشروعية الشركة. هـ- الإجماع: فقد أجمعت الأمة على جواز الشركة، وتعامل بها الناس منذ عصر النبي rإلى زماننا هذا، ولم ينكر ذلك أحد، وهذا الإجماع على جواز الشركة بالجملة روى هذا الإجماع ابن قدامةج5\3 ومثل هذا الإجماع نقله ابن منذر أيضاً في كتابه الإجماع ص56 و- من المعقول: إن الشركة تحقق مصالح كثيرة لها صلة بالمقاصد العليا للإسلام لاسيما مقصد حفظ المال ذّلك أن الشركة تحقق مجموعة من المصالح العامة والخاصة مدارها التعاون على البر والتقوى تحقيقا للتكافل بين الناس وتيسيرا للتعامل المالي فيما بينهم. ثالثاً: آراء الفقهاء في حكم الشركة مع غير المسلم.القول الأول: أن مشاركة غير المسلمين محرمة وهو قول أبي حنيفة مستدلين بدليل عقلي كعادة الحنفية قي الاستدلال إذ قالوا أنه لاتساوي قي التصرف بين المسلم والكافر؛ لأنه لوإشترى الكافر برأس المال خمورا أوخنازير صح ولوإشتراها مسلم لايصح.[4] القول الثاني: أن مشاركة غير المسلمين جائزة مع الكراهية التنزيهية مع عدم اشتمال التجارة والمشاركة بالمحرمات كالخمور والخنازير وغيرها وأن يخلوا التعامل من الربا وهو قول الشافعية مطلقا والرواية المرجوحة عند الحنابلة وقول الإمام الطحاوي من الحنفية.[5]واستدل أصحاب هذا القول بالأدلة التالية:أ- ماأورد البيهقي وأنفرد به في سننه عن أبي جمرة عن ابن عباس- رضي الله عنهما-أنه قال: [لاتشاركن يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولا مجوسيا قلت : لم؟ قال: لأنهم يربون والربا لايحل].وجه الدلالة من الحديث: أن صيغة النهي "لا " تفيد الكراهيّة التنزيهية وذلك لتقييدها بأخذ الحيطة والحذر من تعاملهم فيمالا يحل كالربا وبيع الخمر والخنزير، وصرف النهي من التحريم إلى الكراهية لقول ابن عباس رضي الله عنهما " لأنهم يربون والرّبا لا تحل".ب - أن القول بالكراهية هوقول ابن عباس- رضي الله عنهما- ولا يعرف له مخالف من الصحابة فكان بمنزلة الإجماع السكوتي نقله ذلك ابن قدامه في المغني مع الشرح الكبير ج5\110 ج- أن الكفار لايمتنعون من الربا ومن بيع الخمر وعليه لايؤمن أن يكون ذلك المعقود عليه في الشركة هوالمال المحرم فأقيمت المظنة وغلبة وقوع ذلك منهم مقام الحقيقة.القول الثالث: أن الشركة مع غير المسلم جائزة مطلقاً إذا أشرف وتولى المسلم على معاملة البيع والشراء، وخلت المعاملة من العقود والبيوع الفاسدة كالربا، وهو المذهب عند المالكية والمعتمد عند الحنابلة، وهو قول ابن حزم الظاهري وهوما يراه الكاتب وتميل إليه نفسه نظرا لقوّة أدلته وسلامته من المعارضة والمناقشة على ما تعارف عليه أهل أصول الفقه.[6]وأستدل أصحاب هذا القول بالأدلة التالية:أ- ماأخرجه البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها- [ أن النبيr اشترى طعاماً من يهودي بنسيئةٍ فأعطاهُ درعاً له رهنا] وفي رواية لمسلم [اشترى رسول اللهr من يهودي طعاما فأعطاهُ درعا له رهنا].ب- مارواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالكt[أنه مشى إلى النبيr بخبز شعير وإهالة سَنِخَة، ولقد رهن النبي rدرعا له بالمدينة عند يهودي وأخذ منه شعيرا لأهله]. الإهالة: هي ماأذيب من الشحم والإلية وقيل: هو كل دسم جامد.وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي r عامل اليهودي حيث رهن عنده درعه مقابل طعام اشتراهr إلى أجل، وهذه المعاملة تدل على أصل جواز معاملة اليهود وغيرهم من الكفار،وهذه المعاملة قد تكون رهنا كما في الحديث أوقد تكون بيعا أوشراء، والشركة نوع من أنواع المعاملة، فدل هذا على مشروعية الشركة مع غير المسلم.ج- مارواه البخاري ومسلم أيضا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما[ أن النبي r عامل خيبر بشطر، أي نصف ما يخرج منها من تمر، أو زرع].وجه الدلالة من الحديث: أن معاملة النبيr لليهود على أرض الخيبر على أن يدفعوا له نصف ثمرها يدل على أن معاملة أهل الذمة جائزة في المساقاة والمزارعة، فثبت جواز الشركة مع الكفار؛ لأن الشركة نوع من أنواع التعامل الماليّ الذي يقاس على المساقاة والمزارعة ونحوهما.د- قياس جواز الشركة مع الكفار على جواز حصول الوكالة والكفالة منهم للمسلمين بجامع صحة التصرف فيهما.هـ- أن الناس يحتاجون إلى الشركة في أمورهم الضرورية، ففي المنع تضييق على الناس وإيقاعهم في الحرج، والحرج مرفوع في الشريعة الإسلامية، والقول بالجواز مع القيود السابقة يتفق مع مقصود الشارع من الشركة وهوالتيسيرعلى الناس، وتسهيل تبادل المنافع فيما بينهم . وإلى لقاءٍ آخر يجمعنا لازلتم برعاية الله وحفظه ودمتم بخير. | |
|
دموع الورد مشرف
عدد المساهمات : 175 العمل/الترفيه : دكتورة
| موضوع: رد: حكم الشركة مع غير المسلم في الفقه الإسلامي- الأحد 31 أكتوبر - 16:36 | |
| | |
|