المشاهد
والقبور الصحيح منها والمكذوب، وخطورة التعلق بها
أولاً: ما صح من قبور الأنبياء والرسل عليهم السلام
ثانياً: المشاهد المكذوبة المنسوبة لبعض الأنبياء والرسل عليهم
السلام
ثالثاً: المشاهد المكذوبة المنسوبة إلى بعض الصحابة والتابعين
وغيرهم
النهي والتحذير من بناء المشاهد والقباب على القبور
ما يستفاد من مجموع هذه الأحاديث والآثار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الناصح
الأمين، ورضي الله عن آله وصحابته الغر الميامين، وبعد..
على الرغم من أن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
نهى وحذر أمته من التعلق بالقبور، وسدَّ كل الذرائع المؤدية إلى ذلك، ما فتئت
طائفة من المسلمين كبيرة متعلقة بذلك، ومتخذة لما حذرهم رسولهم عن اتخاذه من
الوسائط والعلائق التي هي أوهى من خيط العنكبوت، مع سبق الإصرار والعزم، والمضي
قدماً فيه، رادِّين للأحاديث والأوامر الصريحة.
وليت قومي اكتفوا بما صح من مشاهد وما علم من مقابر، بل اخترعوا
مشاهد موهومة ومقابر مزعومة، ومراقد مكذوبة، وبالغوا في تعظيمها، واجتهدوا في
تكريمها، ولا يزال الشيطان يزين لهم هذا الباطل، ويؤكده لهم، ويشجعهم ويحثهم
على العكوف عليه.
المشاهد والقبور التي يتعلق بها قطاع كبير من المسلمين لبعض
الأنبياء والرسل، والعلماء، والصالحين، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو كذب،
ومنها ما هو مختلف فيه.
وقد نبه شيخ الإسلام ومفتي الأنام أحمد بن عبد الحليم الإمام
الشهير بابن تيمية إلى أهم المشاهد التي يتعلق بها الناس قديماً وحديثاً، وبين
الصحيح منها والمكذوب، والمختلف فيها، وإليك خلاصة ما ذكره
انظر جامع المسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية (661-728هـ) المجموعة الرابعة تحقيق
محمد عزير شمس، إشراف بكر بن عبد الله أبوزيد ص 154 والصفحات التي تليها وص 340 ابن تيمية ومثل به:
أولاً: ما صح من
قبور الأنبياء والرسل عليهم السلام
لم يصح من قبور الأنبياء والرسل عليهم السلام سوى قبرين، هما:
1. قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، وهو
منقول بالتواتر، ولم يشك فيه أحد.
2. وقبر الخليل إبراهيم عليه السلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(القبر المتفق عليه هو قبر نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم، وقبر الخليل فيه نزاع، لكن الصحيح الذي عليه الجمهور
أنه قبره).
وقال في موضع آخر من الكتاب:
(وأما قبر الخليل عليه السلام قالت
العلماء على أنه حق، لكن كان مسدوداً بمنزلة حجرة النبي، ولم يكن عليه مسجد،
ولا يصلي أحد هناك، بل المسلمون لما فتحوا البلاد على عهد عمر بن الخطاب بنوا
لهم مسجداً يصلون فيه في تلك القرية، منفصلاً عن موقع الدير، ولكن بعد ذلك نقبت
حائط المقبرة كما هو الآن النقب الظاهر فيه، فيقال: إن النصارى لما استولوا على
البلاد نقبوه وجعلوه كنيسة، ثم لما فتحه المسلمون لم يكن المتولي لأمره عالماً
بالسنة حتى يسده، ويتخذ المسجد في مكان آخر، فاتخذ ذلك مسجداً، وكان أهل العلم
والدين العالمون بالسنة لا يصلون هناك).
ثانياً: المشاهد المكذوبة المنسوبة لبعض الأنبياء والرسل عليهم السلام
كل مشهد أوقبر أضيف لنبي من الأنبياء سوى نبينا محمد وأبينا
إبراهيم عليهما السلام فهو كذب محض، لعدم قيام الدليل على ذلك، مثل المشاهد
المضافة إلى كل من نوح، وهود، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، ويونس، وإلياس، واليسع،
وشعيب، وموسى، وزكريا، ويحيى عليهم السلام، وإليك بعض توضيح ذلك:
1. القبر المضاف إلى هود عليه السلام بجامع دمشق، هو قبر
معاوية، لأن هود بعث باليمن وهاجر إلى مكة ولم يذهب إلى الشام، وقيل إنه مات
بمكة، وقيل باليمن.
2. كان بحـران مسجـد يقـال له مسجـد إبراهيـم يظن الجهـال أنه
إبراهيم الخليـل، وإنما هو إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عباس، الذي كانت
دعوة الخلافة العباسية له، فحبس هناك حتى مات وأوصى بالخلافة إلى أخيه أبي جعفر
المنصور.
3. المسجد الذي كان بجانب عُرَنَة – الذي بني في موضعه مسجد
عرفة – الذي يقال له مسجد إبراهيم، فإن بعض الناس يظن أنه إبراهيم الخليل،
وإنما هو من ولد العباس، والمسجد إنما بني في دولة بني العباس، علامة على
الموضع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر يوم عرفة.
4. القبر المنسوب إلى نوح عليه السلام ببعلبك كذب قطعاً.
5. القبران المنسوبان لزكريا ويحيى عليهما السلام بالمسجد
الأموي بدمشق كذب محض أيضاً.
ثالثاً: المشاهد المكذوبة المنسوبة إلى بعض الصحابة والتابعين وغيرهم
هناك العديد من القبور التي بنيت عليها مشاهد – قباب ونحوها –
المنسوبة لبعض الصحابة والتابعين، وغيرهم، لا تصح نسبة هذه القبور لمن نسبت
إليهم، وإليك نماذج من ذلك:
1. المشهد المنسوب لأمير
المؤمنين علي رضي الله عنه والذي تؤلهه الشيعة بالنجف هو قبر المغيرة بن شعبة
رضي الله عنه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يعدد المشاهد المختلقة:
(وكذلك
قبر علي رضي الله عنه الذي بباطنة النجف بالكوفة، فإن المعروف عند أهل العلم
أنه دفن بقصر الإمارة بالكوفة كما دفن معاوية بقصر الإمارة بالشام، ودفن عمرو –
بن العاص – بقصر الإمارة بمصر، خوفاً عليهم من الخوارج أن ينبشوا قبورهم، فإن
الخوارج تحالفوا على قتلهم، فقتل عبد الرحمن بن ملجم علياً وهو خارج إلى صلاة
الفجر بمسجد الكوفة باتفاق الناس، ومعاوية ضربه الذي أراد قتله على إليته فعولج
من ذلك وعاش، وعمرو بن العاص استخلف على الصلاة رجلاً اسمه خارجة، فضربه
الخارجي فظنه عمراً، وقال: أردت عمراً وأراد الله خارجة).
لقد خذل الله الرافضة بعبادة رجل من ألد أعدائهم، المغيرة، وهم
يحسبون أنه علي الذي يرفعونه هو وبعض آل بيته إلى درجة الألوهية.
2. مشهد رأس الحسين رضي الله
عنه بالقاهرة
هذا المشهد الذي أصبح صنماً يعبد من دون الله ويطاف حوله كما
يطاف بالكعبة المشرفة ينسب زوراً وبهتاناً للإمام البطل الشهيد الحسين بن علي
رضي الله عنهما، ويؤكد العلماء الأثبات والمؤرخون الثقات أن رأس الحسين رضي
الله عنه بالمدينة بالبقيع، وأن جسده الطاهر بالمدينة بكربلاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكذلك مشهد الرأس الذي
بالقاهرة، فإن المصنفين في مقتل الحسين اتفقوا على أن الرأس لم يعرف، وأهل
المعرفة بالنقل يعلمون أن هذا أيضاً كذب، وأصله – أي المشهد الذي بالقاهرة –
أنه نقل من مشهد بعسقلان، وذاك المشهد بني قبل هذا بنحو من ستين سنة، في أواخر
المائة الخامسة، وهذا بني في أثناء المائة السادسة، بعد مقتل الحسين بنحو من
خمسمائة عام، والقاهرة بنيت بعد مقتل الحسين بنحو من ثلاثمائة عام، وهذا المشهد
بني بعد بناء القاهرة بنحو مائتي عام.
وقال:
وأما المكذوب قطعاً – من المشاهد – فكثير، مثل قبر علي بن
الحسين الذي بمصر، فإن علي بن الحسين توفي بالمدينة بإجماع الناس ودفن بالبقيع،
ويقال إن قبة
كان في البقيع عدد هائل من القباب وقد هدمت جميع هذه القباب وأزيلت بعد الدعوة
الإصلاحية التجديدية التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب طيب الله ثراه،
وينبغي على حكام المسلمين أن يهدموا كل القباب المبنية على القبور لنهي الشارع
عن ذلك سداً لذريعة الشرك العباس بها قبره، وقبر الحسن، وعلي بن
الحسين، وأبي جعفر الباقر، وجعفر بن محمد، وفيها أيضاً رأس الحسين.
وأما بدنه فهو بكَرْبَلاء باتفاق الناس، والذي صح ما ذكره
البخاري في صحيحه
عن أنس بن مالك رقم 3748 من أن رأسه حُمل إلى عبيد الله بن زياد،
وجعل ينكت بالقضيب على ثناياه، وقد شهد ذلك أنس بن مالك، وفي رواية أخرى أبو
بَرْزَة الأسلمي، وكلاهما كانا بالعراق، وقد روي بإسناد منقطع أومجهول
نظر تاريخ الطبري 5/ 465 والبداية والنهاية ج11/ 559 أنه حمل إلى
يزيد
ابن معاوية وجعل ينكت بالقضيب على ثناياه،
وأن أبا برزة كان حاضراً وأنكر ذلك، وهذا كذب، فإن أبا برزة لم يكن بالشام عند
يزيد، وإنما كان بالعراق).
3. القبر المنسوب إلى عبد الله
بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بالجزيرة بالعراق
وذلك لأن الأمة متفقة على أن عبد الله بن عمر مات بمكة، عام قتل
ابن الزبير، وأوصى أن يدفن في الحل لأنه من المهاجرين، فشق عليهم فدفنوه بأعلى
مكة
حي الشهداء، ويقال بالحجون، والصحيح القول
الأول.
4. القبر المضاف إلى أبَيّ بن
كعب رضي الله عنه بشرق دمشق
من الكذب البين، لأن أبي بن كعب مات بالمدينة باتفاق أهل العلم.
5. القبر المنسوب إلى جابر بن
عبد الله رضي الله عنهما بظاهر حَرَّان
لأن لعلماء متفقون على أن جابراً توفي بالمدينة ودفن بها، وهو
آخر من مات من الصحابة بها.
6. المشاهد المنسوبة لبعض
أمهات المؤمنين أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما بدمشق
من المشاهد المكذوبة التي يتعلق بها الجهلة والعوام قبر لأم
حبيبة أوأم سلمة بدمشق، وذلك لأن الناس متفقون على أن سائر أمهات المؤمنين متن
بالمدينة ودفنَّ بها، إلا جويرية بنت الحارث رضي الله عنها فقد ماتت ودفنت في
نفس المكان الذي بنى عليها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنعيم بين مكة
والجموم.
قال شيخ الإسـلام ابن تيمية:
(وكذلك أمهات المؤمنين كلهن توفين
بالمدينة، فمن قـال بظاهـر دمشق قبر أم حبيبـة أوأم سلمـة أوغيرهما فقد كذب،
ولكن من الصحابيات بالشـام امرأة يقال لها أم سلمـة أسماء بنت يزيد بن السكن،
فهذه توفيت بالشام، فهذه قبرها محتمل، كما أن قبر بلال ممكن لأنه دفن بباب
الصغير بدمشق، فنعلم أنه دفن هناك، وأما القطع بتعيين قبره ففيه نظر، فإنه يقال:
إن تلك القبور حَدَثت).
7. القبر المضاف لمعاوية بن
أبي سفيان رضي الله عنه بباب الصغير كذب كذلك
وإنما هو قبر معاوية بن يزيد بن معاوية، الذي تولى الخلافة مدة
قصيرة ثم مات، ولم يعهد إلى أحد، وكان فيه دين وصلاح، ولكن لما اشتهر القبر أنه
قبر معاوية ظن الناس أنه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
8. القبر المنسوب إلى خالد بن
الوليد رضي الله عنه بحمص
هو قبر خالد بن يزيد بن معاوية أخو يزيد – ابن معاوية بن يزيد –
ولما اشتهر أنه خالد والمشهور عند العامة خالد بن الوليد ظنوا أنه خالد بن
الوليد رضي الله عنه.
9. القبر المنسوب إلى التابعي
الجليل أويس القرني رحمه الله غربي دمشق
من المشاهد المكذوبة المشهد المنسوب إلى أويس القرني غربي دمشق،
لأن أويساً لم يجئ إلى الشام، وإنما ذهب إلى العراق، وهذا يكذب ما حكاه أبو عبد
الرحمن السلمي أن أويساً توفي بدمشق.
10. القبر المنسوب لعلي بن
الحسين بمصر
فعلي بن الحسين كما مر توفي بالمدينة ودفن بالبقيع.
هذا قليل من كثير، وغيض من فيض من المشاهد، والقبور، و"البيانات" التي ينسبها الجهال لبعض الأنبياء، والصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، هذا بجانب
القبور المختلف عليها والمشتبه فيها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذه المشاهد حدثت بعد القرون
الثلاثة الفاضلة، سيما في عصر دولة بني
"بُوَيه" الرافضية ومن تلاهم.
النهي والتحذير
من بناء المشاهد والقباب على القبور
لم ينتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا بعد
أن دل أمته على كل خير، ونهاهم وحذرهم عن كل شر، من ذلك نهيه وتحذيره لهم من
التعلق بالقبور والبناء عليها، وسؤال أصحابها، وإليك الأدلة:
1. قال في مرضه الذي مات فيه:
"لعن الله اليهودَ والنصارى،
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يحذر ما صنعوا، قالت عائشة:
ولولا ذلك لأبرز
قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً". متفق
عليه البخاري 1330 ، 1390 ، 4441، ومسلم رقم 529
2 . وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال قبل أن يموت بخمس:
"إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا
فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك"
صحيح مسلم رقم 532.
والمراد باتخاذها مساجد الدعاء عندها، والصلاة إليها، وطلب
الحاجات من أصحابها، والذبح والنذر لها، سواء بني عليها مسجد أم لا.
3. وفي الموطأعن
عطاء بن يسار مرسلاً ج1/ 172:
"اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد
غضب قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
4 . وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور
مساجد".
أبو حاتم في صحيحه ج1/ 405-435 وابن خزيمة في صحيحه رقم 789
5. وصح عنه أنه قال:
"لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها".
مسلم
رقم 972 عن أبي مرثد الغنوي
6. وعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب:
"ألا
أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا أدع قبراً مشرفاً
إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته"
مسلم
رقم 969، وفي رواية
"صورة"، مما يدل على عدم التفريق بين المجسمات
التي لها ظل وما ليس لها ظل.
7. وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لعن الله
زوَّارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج".
أبو
داود رقم 3236 والترمذي رقم 320 والنسائي 4/ 94 وابن ماجة 1575
8. استشار رجل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يبني فسطاطاً
على ميت له، فقال له:
"لا تفعل، إنما يظله عمله".
9. وفي الصحيحين عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أنهما
ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة، وذكرتا حسنها،
وتصاوير فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إن أولئك إذا مات فيهم الرجل
الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند
الله يوم القيامة".
متفق عليه البخاري 427 ومسلم 528
10 . روى حرب الكرماني عن زيد بن ثابت أن ابناً له مات فاشترى
غلام له جَصاً وآجُراً ليبني على القبر، فقال له زيد: حفرتَ وكفرتَ، أتريد أن
تبني على قبر ابني مسجداً؟ ونهاه عن ذلك.
11. لما فتح المسلمون تُسْتَر، ووجدوا فيها قبر دانيال، ووجدوا
عنده مصحفاً، قال أبو العالية: أنا قرأت ذلك المصحف، فإذا فيه أخباركم وسيركم، ولحون كلامكم؛
وشموا من القبر رائحة طيبة، ووجدوا الميت بحاله لم يبل
كيف يبلى وقد حرم الله على الأرض أجساد الأنبياء عليهم السلام؟،
فكتب في ذلك أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب، فأمره أن يحفر بالنهار بضعة
عشر قبراً، فإذا كان الليل دفنه في قبر من تلك القبور ليخفي أثره، لئلا يفتتن
به الناس، فينزلون به، ويصلون عنده، ويتخذونه مسجداً.
انظر البداية والنهاية لابن كثير ج2/ 376-378
12. وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أصلي وهناك
قبر، فقال عمر بن الخطاب: القبر القبر! فظننته يقول: القمر، وإذا هو يقول:
القبر، أوكما قال.
فتح الباري ج1/ 523
ما يستفاد من مجموع هذه
الأحاديث والآثار
أولاً: أن المسلم إذا مات يدفن في مقابر المسلمين، ولا
يدفن في غيرها، وإن وصى أن يدفن عند مسجد أوفي بيته لا تنفذ وصيته لكي لا يتخذ
قبره عيداً، سيما لو كان ممن يعتقد فيه بعض العوام.
ثانياً: لا يحل البناء على القبور، ولا تجصيصها، ولا الكتابة
عليها، ولا إنارتها إلا من أجل الدفن ليلاً، أومنعاً لدفن أحد من غير شهادة
وفاة أومعرفة، تحسباً من استغلال المجرمين لذلك.
ثالثاً: يحرم الدفن في المساجد سواء كان إلى جهة القبلة
أم لا، ومن باب أولى بناء مسجد على قبر، ولا مصلى في مقبرة، سداً للذريعة،
وبالأحرى كذلك بناء القباب، ولا ينبغي لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعين
على ذلك، بأجرة أوبغير أجرة، لا مهندساً ولا بناء ونحوهما.
رابعاً: زيارة القبور جائزة للرجال ومنعت منها النساء في
أرجح قولي العلماء، وقد أجاز مالك للمتجالة، والأرجح منع الجميع.
وينبغي أن يكون غرض الزائر العظة، والاعتبار، والسلام، والدعاء
للأموات، أما من كان غرضه التبرك بأحد القبور، وطلب الحوائج من أصحابها،
أوالنذر والذبح لأحدهم، فهذه هي الزيارة الشركية التي منع منها الشارع.
خامساً: ينبغي لولاة الأمر منع البناء على القبور وهدم
البناء الموجود، ونشر الأموات الذين دفنوا في المساجد، فهذا من أوجب الواجبات
على الحاكم.
سادساً: من نذر لقبر أوميت فلا يحل له الوفاء بهذا النذر
لأنه نذر معصية، بل شرك، وكذلك يحرم الوقف من أجل القبور.
قال العلماء: إنه لا يجوز أن ينذر للقبور، لا زيت، ولا شمع، ولا
نفقة، ولا نحو ذلك.
سابعاً: لا تشد الرحال لتلك القبور والمشاهدن بل لا تشد
الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد
الأقصى: "لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى،
ومسجدي هذا".
متفق عليه البخاري 1189 ومسلم
1397
وفي السنن أن بصرة بن أبي بصرة لما رأى بعض من زار الطور – الذي
كلم الله عليه موسى – نهاه عن ذلك، وقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تشد الرحال.." الحديث.
ثامناً: يحرم عمل الحوليات والموالد للمشايخ، لا عند
قبورهم، ولا في دورهم، ولا غير دورهم.
تاسعاً: من زار القبور سلم عليهم: السلام عليكم دار قوم
مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين.
عاشراً: الطعام والذبائح التي تقدم إلى هؤلاء المشايخ
الأموات لا يحل أكلها سواء سمى الذابح باسم الله أم لا؟ فهي مما أهل به لغير
الله، ولهذا لابد من الانتباه لبعض
"الكرامات" التي يحضرها البعض في المساجد.
والله الموفق للصواب، وله المرجع والمآب، وصلى الله وسلم على
محمد وآله والأصحاب.