ِ مَحَاسِن الدِّينِ
عباد الله: قال الله تعالى - وهو أصدق القائلين-: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة: 3] أكمل الدين بالنصر، والإظهار على الأديان كلها، فنصر عبده ورسوله، وخذل أهل الشرك خذلانًا عظيمًا، بعد ما كانوا حريصين على صد المؤمنين عن دينهم، طامعين في ذلك، فلما رأوا عز الإسلام وانتصاره يئسوا كل اليأس من المؤمنين، أن يرجعوا إلى دينهم، وصاروا يخافون منهم ويخشون، وأتم جل وعلا على عباده نعمته بالهداية والتوفيق، والعز والتأييد، ورضي الإسلام لنا دينا، واختاره لنا من بين الأديان، فهو الدين عند الله لا غير، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
عباد الله:
نظر أصحاب الأفكار البريئة السليمة في أحكام الإسلام، فاعتنقوه، وتأملوا في حكمه الجليلة فأحبوه، وملكت قلوبهم مبادئه الحكيمة فعظموه، وكلما كان المرء سليم العقل، نير البصيرة، مستقيم الفكر، اشتد تعلقه به، لما فيه من جميل المحاسن، وجليل الفضائل، جاء الدين الإسلامي بعقائد التوحيد، التي يرتاح لها العقل السليم، ويقرها الطبع المستقيم، يدعو إلى اعتقاد أن للعالم إلهًا واحدًا لا شريك له، أولاً لا ابتداء له، وآخرًا لا انتهاء له، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11] له القدرة التامة، والإرادة المطلقة، والعلم المحيط، يلزم الخلق الخضوع له والانقياد، والعمل على مرضاته، بامتثال أمره سبحانه، واجتناب نهيه، نصب الأدلة والبراهين، في الأنفس والآفاق، وحث العقول على النظر والاستدلال، لتصل بالبرهان إلى معرفته وتعظيمه، والقيام بحقوقه، فتراه تارة يلفت نظرك إلى أنه لا يمكن أن توجد نفسك، ولا أن توجد من دون موجد ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور: 35] أما كون الإنسان موجدًا لنفسه فهذا أمر ما ادعاه الخلق، وأما وجود الإنسان هكذا من غير موجد، فأمر ينكره منطق الفطرة ابتداء ولا يحتاج إلى جدل كثير أو قليل، وإذا كان هذان الفرضان باطلين، فإنه لا يبقى إلا الحقيقة، التي يقولها القرآن، وهي أن الخلق خلقه الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ ، وتارة يلفت النظر إلى السموات والأرض، فهل هم خلقوها، فإنها لم تخلق نفسها، كما أنهم لم يخلقوا أنفسهم، وتارة يفتح أمام العقل والبصر صحيفة السماء، وما حوت من شمس مشرقة، وقمر منير ونجم مضيء، فيقول: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ [الفرقان: 61] وفي الآية الأخرى يقول: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [يونس: 5]، ويقول: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: 96]، ويقول: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ [ق: 6]، ويقول: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 185]، ويقول: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾ [الملك: 3، 4]، ومرة يلفت النظر إلى الأرض، وما فيها من أشجار متنوعة، ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ [الرعد: 4]، فتشاهد شجر العنب، بجوار شجر الحنظل، في قطعة واحدة، تسقى بماء واحد، وقد جعل لكل شجرة جذورًا، تمتص بها من الأرض ما يناسبها من الغذاء الذي به قوامها وحياتها، وتنفتح كل واحدة عن ثمرة تخالف الأخرى في اللون والطعم والرائحة، وكذلك باقي الأشجار المتجاورة التي أرضها واحدة وماؤها واحد، ألا يدل هذا على وجود صانع حكيم قادر؟ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [هود: 103].
ومرة يلفت النظر إلى ما ينزله من السماء، من الماء الذي به قوام الحياة، ولو شاء لجعله أجاجًا، لا نفع فيه، ومرة يتحدث عن وحدانيته وانفراده بالملك والتدبير ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ﴾ [المؤمنون: 91]، الآية، وفي الآية الأخرى يقول في جزالة لفظ، وفخامة معنى ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: 22] إلى غير ذلك من الأدلة، وشرع لعباده من العبادات ما يهذب النفوس، ويصفيها، وينظم العلاقات ويقويها، ويجمع القلوب ويزكيها وهذا الذي جاء به الإسلام اتفقت في الدعوة إليه كل الرسل، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ [الشورى: 13].
اللهم نور قلوبنا بنور الإيمان، وأعذنا من شر نفوسنا والشيطان، ووفقنا لطاعتك، وجنبنا العصيان، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.