الفسـاد الاقتصادي
الفساد: نقيض الصلاح وأخذ المال ظلماً، مأخوذ من فسد الشيء يفسد فساداً وفسوداً، وحقيقته العدول عن الاستقامة إلى ضدها.
والمفسدة خلاف المصلحة، والجمع المفاسد .
الفساد عند علماء الأصول: يتفق علماء الأصول على ثبوت الترادف بين الفاسد والباطل في باب العبادات، فيراد بـها نقيض الصحة .
إلا أنـهم يختلفون في مدلول الفساد في باب المعاملات، فذهب الجمهور إلى القول بالترادف فالباطل والفاسد بمعنى واحد في العقود وهو نقيض الصحة، فالعقد إما صحيح أو باطل وكل باطل فاسد.
وذهب الحنفية إلى منع الترادف بينهما، فالفاسد من العقود: ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه، والباطل: ما لم يكون مشروعاً بأصله ووصفه، وقاعدتـهم في ذلك: أنه لا يلزم من كون الشيء ممنوعاً بوصفه أن يكون ممنوعاً بأصله، فكان الفساد متوسطاً بين الصحيح والباطل.
فالفاسد في نظرهم منعقد لإفادة الحكم وهو ترتب ثمرته المقصودة منه، فهو المشروع بأصله فلما كانت فائت المعنى من جهة أنه يلزم فسخه شرعاً كان غير مشروع بوصفه، وذلك كعقد الربا فإنه مشروع من حيث أنه بيع وممنوع من حيث أنه عقد ربا، فيثبت الملك في بيع الربا حال كونه مطلوب التفاسخ شرعاً رفعاً للإثم، ويلزم العقد الصحة إذا سقطت عنه الزيادة، وأم الباطل فهو ما كان فائت المعنى من كل وجه إما لانعدام محل التصرف كبيع الميتة والدم، وإما لانعدام أهلية التصرف كبيع المجنون والصبي الذي لا يعقل .
الفساد عند علماء الاقتصاد الإسلامي: باستقراء الدراسات المتعددة عند المحدثين من علماء الاقتصاد الإسلامي نرى أنـها لم تتعرض لتعريف الفساد ووضع حد له، وقد يكون ذلك راجعاً لعدم خفاء معناه ووضوح حقيقته، ولكننا على ضوء الأحكام السياسية والقواعد الاقتصادية العامة التي جاء بـها القرآن الكريم، وجاءت السنة النبوية مفسرة وموضحة لها، ومن خلال اجتهادات الفقهاء في مجال عقود المعاملات، وما يرتبط بـها من النشاط الاقتصادي وبالوقوف على ما قدمته الممارسة الاقتصادية في صدر الإسلام وبخاصة في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز من رخاء اقتصادي حيث بلغت الدولة الإسلامية م الغنى ما زاد عن حاجات المسلمين حتى أسلفوا منه أهل الذمة ، فإنه يمكننا أن نتوصل إلى تعريف للفساد من وجهة نظر علماء الاقتصاد المسلمين فنقول بأنه: جعل الجانب المادي الهدف الوحيد للنشاط الاقتصادي لذي يمارسه الإنسان المعاصر دون مراعاة للقيود الشرعية التي تنظم أحكام المال، أو التفات للجوانب الأخرى التي يكتمل بـها البناء الاقتصادي كالقيم والمبادئ الأخلاقية الروحية.
وبعبارة أخرى فإن الفساد الاقتصادي يتمثل في التركيز أثناء الممارسة الاقتصادية عملاً وإنتاجاً وتوزيعاً على جانب واحد من جوانب الحياة الإنسانية وإهمال الجوانب الأخرى، كعدم الالتزام الكامل بالأحكام الشرعية المنظمة لتحصيل المال وكيفية تنميته وإنفاقه، وكذلك عدم أداء الحقوق الواجبة في المال وإساءة التصرف في التعامل بما يضر بمصالح النظام الاقتصادي السليم من جوهره الذي يقوم عليه، ويفرغ مساره التطبيقي من وسائله المشروعة التي تكفل لـه الوجود الحقيقي والأداء المنشود.