نور الصدق
فى نور آية كريمة من كتاب الله سبحانه و تعالى كان اللقاء
قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم و رضوا عنه ذلك الفوز العظيم
و استشعرت البشرى الكريمة من الله سبحانه لعباده الصادقين و هم الموحدون الذين صدقوا فى عبادتهم و لم يشركوا بالله أحدا و لم يجدهم قيوم السماوات و الأرض غلا حيث أمرهم و لم يفتقدهم غلا حيث نهاهم.
و الصدق ترجمة لشجاعة المؤمن فهو لا يجبن حتى بغير الواقع لذلك أمر الله بالتمسك به سواء فى القول أو العمل
يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين
و من هنا كان الصدق طريقا إلى كل خير يقول النبى الأمين صلى الله عليه و سلم عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى غلى البر و البر يهدى إلى الجنة و ما يزال الرجل يصدق و يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا و إياكم و الكذب فغن الكذب يهدى إلى الفجور و الفجور يهدى إلى النار و ما يزال العبد يكذب و يتحرى الكذب يكتب عند الله كذابا ..
و لقد وقف القرآن الكريم مع ثلاثة نفر من صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم تخلفوا عن غزوة العسرة غزوة تبوك و التى قعد فيها المنافقون عن نصرة رسول الله صلى الله عليه و سلم و كذبوا فى اعتذارهم و لكن هؤلاء النفر الثلاثة صدقوا فى إخبار الرسول صلى الله عليه و سلم بأنهم تخلفوا من غير عذرهم: كعب ابن مالك و هلال بن أمية و مرارة بن الربيع .. قال كعب بن مالك حين وقف يحدث رسول الله بعد عودته من تبوك بعد أن سأله ما خلفك ألم تكن قد ابتَعْتَ ظهرك أى راحلة. فقال كعب يا رسول الله إنى والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أنى سأخرج من سخطه بعذر و قد أعطيت جدلا و لكنى والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى عنى ليوشكن الله أن يُسخطك علىَّ و لئن حدثتك حديث صدق تجد على فيه أنى لأرجو فيه عفو الله عز و جل .. وأمر النبى بمقاطعتهم ..
و جاء نفر من قرابة كعب يلومونه لانه قال الصدو طلبوا منه أن يمضى إلى رسول الله حتى يقول له كاذبا غير ما قاله و لكنه أبى و أصر على الصدق و تحمل معاناة بلا حدود حتى إنه كان يأتى غلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يصلى فلا يكلمه أحد و يحول النبى نظره عنه .. و صور القرآن الكريم مدى المعاناة التى عاناها كعب بن مالك و رفيقاه
حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و ضاقت عليهم أنفسهم و ظنوا إلا ملجأ من الله إلا إليه
بعد هذه المعاناة القاسية و كفى فيها إعراض النبى عنهم و مخاصمة المسلمين لهم .. بعد ذلك جاءهم فرج الله لأنهم صدقوا و لم يكذبوا .. و مضى كعب بن مالك إلى رسول الله بعد أن أنزل الله توبته عليه و رفيقيه ليقول يا رسول الله إنما انجانى الله بالصدق و إن من توبتي أن لا أكون إلا صدقا ما بقيت .
و يقدم القرآن الكريم فى نفس السورة الكريمة و هى سورة التوبة نموذجا آخر لأحد الكذبة على الله و رسوله و هو ثعلبة بن حاطب الأنصارى .. رجل من عامة المسلمين كان لا يفارق مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم و لكنه كان يتطل إلى المال و الغنى و سأل رسول الله: ادع الله أن يرزقنى مالا فقال له الرسول ويحك يا ثعلبة قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه ... و مضت أيام و عاد ثعلبة يلح على رسول الله حتى يدعو له بالغنى و كثرة المال فقال له النبى الكريم أما ترضى أن تكون مثل نبى الله فوالذى نفسى بيده لو شئت أن تصير الجبال معى ذهبا و فضه لصارت .. فقال ثعلبة و الذى بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقنى مالا لأعطين كل ذى حق حقه .. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم ارزق ثعلبة مالا و استجاب الله لدعاء رسوله و هو صلى الله عليه و سلم مجاب الدعوة و كثر مال ثعلبة و كثرت أغنامه حتى اتخذ واديا إلى جوار المدينة ليتسع لأغنامه .. و انقطع ثعلبة عن صلاة الجماعة ثم صلاة الجمعة حتى كان الرسول يقول يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة... و بعث إليه من يأخذ الزكاة و معه كتاب من رسول الله صلى الله عليه و سلم و رفض أن يدفع الزكاة قائلا إنها أخت الجزية, فزاده المال جشعا و بطرا حتى رفض أن يستجيب لإخراج زكاة ماله و فضل الله عليه. و فضح الله ما فى نفسه من كذب ..
و منهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن و لنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به و تولوا و هم معرضون فاعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه و بما كانوا يكذبون مضى ثعلبة إلى رسول الله بزكاته و لكن الرسول رفض أخذها قائلا إن الله منعنى أن أقبل منك صدقتك و جعل ثعلبة يضع التراب على رأسه فقال له الرسول هذا عملك قد أمرتك فلم تطعنى ....
و ظل ثعلبة حتى لحق رسول الله صلى الله عليه و سلم بربه و جاء إلى أبى بكر خليفة المسلمين بزكاته قائلا قد علمت يا خليفة رسول الله منزلتى من رسول الله و موضعى من الأنصار فاقبل صدقتى فقال أبو بكر: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه و سلم و رفض أن يأخذها ... و جاء عهد عمر بن الخطاب مضى إليه ثعلبة بزكاته فقال له عمر لم يقبلها رسول الله ولا أبو بكر أفأقبلها أنا .
و فى خلافة عثمان مضى إليه ثعلبة يطلب منه أن يأخذ منه الزكاة فقال له ذو النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا أبو بكر ولا عمر أفأقبلها أنا ؟ و لم يأخذها .. و بقى ثعلبة بما قص الله عنه فى القرآن صورة للذين يكذبون و يغدرون و يخونون عهدهم لله و رسوله.
و الصدق أساس الثقة بين الأفراد كما أنه الصفة الأساسية للمؤمن لانه دليل قوة الشخصية و مراقبة الله فى كل سلوك و عمل و هو الغنى الأكبر للنفس المؤمنة, يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: أربع إذا كن فيك فلا عليك مافاتك من الدنيا: حفظ أمانة و صدق حديث و حسن خليقة و عفة فى طعمة. و من أجل أن ينأى المؤمن عن كل صورة من صور الكذب نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكذب و لو على سبيل المزاح بقوله: لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب فى مزاحه و إن كان صادقا.
تقول أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ما كان خلق أبغض غلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من الكذب و لقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فمايزال فى نفسه شىء حتى يعلم أنه قد أحدث فيها توبة
و يروى الصحابى عبدالله بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم موقفا يعتبر دستورا فى التربية الإسلامية و منهجا متكاملا فى التعامل مع الاطفال و فى تنشئتهم على الصدق .. قال عبدالله: دعتنى أمى يوما و أنا صغير و رسول الله صلى الله عليه و سلم قاعد فى بيتنا فقالت: تعالى أعطك, فقال لها صلى الله عليه و سلم: ما اردت ان تعطيه؟ قالت اردت ان أعطيه تمرا فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة..
و ما أجدرنا أن نضع هذا التوجيه النبوى الكريم نصب أعيننا فى تعاملنا مع أطفالنا لينشئوا على الصدق ..
اللهم اجعلنا من عبادك الصادقين يا قائل و لم تزل قائلا عليما..
من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا