اداب الزفاف
الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده وبعد
اخوتي في الله بحلول الاجازة تكثر الاعراس فاحببت ان اضع بين ايديكم بحث لفضيلة الشيخ احمد بن محمد العتيق عل الله ان ينفع به وهو عن اداب الزفاف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى عليه وسلم :
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ))
(( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ))
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))
فإن من نعمة الله تعالى علينا أن هدانا للإسلام وشرع لنا النكاح الذي تحفظ به الأنساب ويحصن المسلم به فرجه ويغض بصره ويحصل له الولد ، ويجد المسلم به المرأة التي يسكن إليها وتسكن إليه قال تعالى : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة .. )) قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : ((من آياته )) الدالة على رحمته وعنايته بعباده وحكمته العظيمة وعلمه المحيط . ( أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ) تناسبكم وتناسبونهن ، وتشاكلكم وتشاكلونهن ( لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) بما رتب على الزواج من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة . فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم والسكون إليها . فلا تجد اثنين في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة ) أ . هـ .
(( فالزوجة ملاذ الزوج يأوي إليه بعد جهاده اليومي في سبيل تحصيل لقمة العيش ويركن إلى مؤانسته بعد كده وجهده وسعيه ودأبه يلقى في نهاية مطافه بمتاعبه إلى هذا الملاذ إلى زوجته التي ينبغي أن تتلقاه فرحة مرحة طلقة الوجه ضاحكة الأسارير يجد منها آذانا صاغية وقلباً حانياً وحديثاً حلواً رقيقاً .
فالزوجة سكن لزوجها يسكن إليها ليروي ظمأه في ظلال من الحب والمودة والطهارة فيسكن القلب عن الحرام وتسكن الجوارح عن التردي في حمأة الرذيلة والانزلاق في مهاوي الخطيئة)
ومن أجل هذه المصالح العظيمة حض الشارع الحكيم على النكاح : (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع )) وقال عليه الصلاة والسلام : (( تزوجوا الولود الودود فإن مكاثر بكم الأمم يوم القيامة )) . وقال عليه الصلاة والسلام : (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر ومن لم يستطيع فعليه بالصوم فإنه له وجاء )) .
وقد بين الله تعالى في كتابة عظم العلاقة بين الزوجين وقوة الصلة بينهما بأسلوب يحير العقل لمن تأمل وذلك بقوله : (( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن )) .
قال بن كثير [ قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حبان : يعني سكن لكم وأنتم سكن لهن وقال الربيع بن أنس : هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن] . وقال بن جرير رحمه الله : [ ( هن لباس لكم ) : أي يكون كل منهما جعُل لصحابه لباساً لتجردهما عند النوم واجتماعهما في ثوب واحد ، وانضمام كل واحدٍ لصاحبه بمنزلة ما يلبسه على جسده من ثيابه .
[ فالرجل والمرأة ألصق شيء بعضها لبعض ، يلتقيان فإذا هما جسد واحد وروح واحدة ، وفي لحظة يذوب كل منهما في الآخر ، فلا تعرف لهما حدود ، وهما أبداً يهفوان إلى هذا الاتصال الوثيق الذي يشبه اتحاد اللباس بلابسه .
ثم هما ستر ، كل واحد منها للآخر . فهما من الناحية الجسدية ستر وصيانة . وهما على الدوام ستر روحي ونفسي ، فليس أحد أستر لأحد من الزوجين المتآلفين يحرص كل منهما على عرض الآخر وماله ونفسه وأسراره أن يتكشف منها شيء فتنهبه الأفواه والعيون . وهما كذلك وقاية تغني كلاً منهما عن الفاحشة وأعمال السوء كما يقي الثوب لابسه من أذى الهاجرة والزمهرير .
وهما بعد ذلك كاللباس في تفصيله مضبوطاً على القد ، يلبسه صاحبه فيستريح إليه ، ويتحرك نشيطاً في محيطه ، ويكتسب به جمالاً وزينة تعجب صاحبها وتعجب الناظرين .
وإذا كانت العلاقة بين الرجل والمرأة وثيقة إلى هذا الحد ، فقد وجب أن يلتقيا ليكون كل منهما لباساً لصاحبه ، يزينه ويكمله ، ويلتصق به للوقاية والستر ] . وبعد هذه المقدمة . فإني لا أريد أن أتكلم عن النكاح وأحكامه .
فإن الكلام عن النكاح وفضله وأحكامه بالتفصيل قد أُلفت فيه كتب ورسائل . وهو مبسوط في كتب الفقه . وإنما أريد أن أتكلم عن آداب الزواج . أو ما يسمى بآداب الزفاف . فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آداباً قد ذهل عنها أو جهلها كثير من الناس . وهذه الآداب موجودة في بطون الكتب المطولة . وقد ألف فيها كتب خاصة . ككتاب آداب الزفاف لمحدث الدنيا في عصره وأمير المؤمنين في الحديث الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله . وككتاب تحفة العروس لمحمود بن مهدي الاستامنبولي وكتب ورسائل أخرى . أقول ذلك تنبيهاً من أني لن آتي بجديد وإنما سأنقل من كتب أهل العلم المطولة ومن الكتب والرسائل التي ألفت في هذا الباب على سبيل الخصوص . وآداب الزواج أو الزفاف كثيرة .
سنذكر منها ما تيسر مما ثبت في السنة :
( 1 ) أن يكون الزوج حسن النية وذلك بأن ينوي بزواجه العفاف لقوله صلى الله عليه وسلم (( ثلاثة حق على الله تعالى عونهم المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف )) أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث أبي هريرة .
( 2 ) ملاطفة الزوجة عند الدخول بها : روى الإمام أحمد في المسند من عن أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها قالت : (( قَيَّنت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته فدعوته لجلوتها ، فجاء إلى جنبها فأتي بعس ـ قدح ـ لبن فشرب ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها واستحيت ، قالت أسماء : فانتهرتها وقلت لها : خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم . قالت : فأخذت فشربت شيئاً ثم قال لها : أعطي تربك )) . الحديث .
ومعنى قينت : أي زينت . ومعنى جلوتها : أي للنظر إليها مجلوة مكشوفة . والعس : هو القدح الكبير .
( 3 ) ما يقوله الزوج عند البناء بالزوجة :
ينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادماً فليأخذ بناصيتها ، وليسمّ الله عز وجل ، وليدع بالبركة ، وليقل :اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ، وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك )) .
والناصية : منبت الشعر في مقدم الرأس .
وقوله جبلتها عليه : أي خلقتها وطبعتها عليه .
( 4 ) الصلاة :
يستحب للزوجين أن يصليا ركعتين : روى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن أبي سعيد مولى أبي أسيد مالك بن ربيعة قال : تزوجت وأنا مملوك فدعوت نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة ، قال : وأقيمت الصلاة ، فقال فذهب أبو ذر ليتقدم ، فقالوا إليك ! قال : أو كذلك ؟ قالوا : نعم ، قال : فتدقمت بهم وأنا عبد مملوك ، وعلموني فقالوا : (( إذا دخل عليك أهلك ، فصل ركعتين ثم سل الله من خير ما دخل عليك ، وتعوذ به من شره ، ثم شأنك وشأن أهلك )) .
وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه قال لأبي حريز : مرها أن تصلي وراءك ركعتين وقل : اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم فيَّ ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير ، وفرق بيننا إذا فرقت بخير )).
( 5 ) ما يقول عند الجماع أو حين يجامع زوجته :
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله اللهم جنبناً الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه أن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً )) .
الأجر والثواب في الجماع :
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : (( إن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : أوليس قد جعل الله ما تصدقون به إن بكل تسبيحة صدقة ، وبكل تكبيرة صدقة ، وبكل تهليلة صدقة ، أو نهي عن المنكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة . قالوا يا رسول الله : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجراً قال : أرأيتم لو وضعها في حرام ، أكان عليه وزر ؟ قالوا : بلى ، وكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيه أجراً .
كيف يأتيها :
ويجوز للرجل أن يأتي زوجته في قُبُلها من أي جهة شاء ، من خلفها أو من أمامها لقوله تعالى (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنا شئتم )) .
أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة . إذا كان ذلك في قبلها . ثبت في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول ! فنزلت : (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنا شئتم )) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج )) .
وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان هذا الحي من الأنصار ، وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود ، وهم أهل كتاب ، وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً ، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة ، تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك ، فأنكرته عليه ، وقالت إنا كنا نؤتى على حرف ، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى شرى أمرها ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : (( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )) أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد . والمراد بموضع الولد قبلها أما إتيان المرأة في دبرها فإنه محرم ولا يجوز لما رواه الشافعي والدارمي عن خزيمة بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن )) . بل دلت الأدلة على أن هذا العمل من الكبائر لما رواه النسائي والترمذي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله لا ينظر إلى رجل يأتي امرأته في دبرها )) . وعند أبي داود من حديث أبي هريرة مرفوعاً : (( ملعون من آتى امرأة في دبرها )) . وسئل بن عباس رضي الله عنهما عن الذي يأتي امرأته في دبرها ؟ (( فقال : هذا يسألني عن الكفر )) رواه النسائي وابن بطة في الإبانة بسند صحيح .
وهذا هو الذي عليه أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم .
وكذلك يحرم إتيان المرأة حال حيضها لقوله تعالى : (( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )) .
ولما رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة : رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد )) . لكن يجوز للرجل أن يستمتع من الحائض بما دون الفرج . لما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( واصنعوا كل شيء إلا النكاح)) أي الجماع . وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر ثم يضاجعها )) وقالت مرة : يباشرها . وعند أبي داود عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : (( إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً ثم صنع ما أراد)).
وأما من غلبته نفسه فأتى زوجته قبل أن تطهر من حيضها ، فعليه أن يتوب أولاً لأنه ارتكب ذنباً عظيماً . وعليه أن يتصدق ( بدينار أو نصف دينار ) لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود وغيره عن ابن عباس . والمروي عن ابن عباس في هذا هو التفصيل : إن كان جامع وقت نزول الدم فدينار وإن كان بعد انقطاع الدم وقبل أن تغتسل فنصف دينار . والدينار ثلاث غرامات وثلث . فيسأل الشخص عن قيمة الغرام بالريال أي غرام الذهب ثم يضربه في ثلاثة وثلث . ليعرف قيمة الدينار بالريال .
ولا يجوز للرجل أن يأتي الحائض إلا بعد الطهر والاغتسال لقوله تعالى : (( ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله .. )) .
وفي المنع من إتيان المرأة وقت حيضها إشارة إلى تحريم الوطء في الدبر لقوله تعالى (( قل هو أذى )) فلا يجوز للرجل أن يأتي أهله في مكان الأذى .
( 6 ) تحريم نشر أسرار الوقاع بين الزوجين :
ولا يجوز للرجل أن يحدث غيره بما يفعل مع امرأته حال الجماع وهكذا المرأة لا يجوز لها أن تحدث بذلك ، وإن كان ذلك يحصل من بعض الناس وهذا في الحقيقة سوء أدب وقلة حياء من الله ومن عباد الله . روى أحمد عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرجال والنساء قعود ، فقال : (( لعل رجلاً يقول ما يفعله بأهله ، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها ، فأرمَّ القوم ( أي سكتوا )، فقلت إي والله يا رسول الله ، إنهن ليفعلن ، وإنهم ليفعلون . قال : (( فلا تفعلوا ، فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون )) .
( 7 ) الوضوء بين الجماعين : ـ
وإذا أتى الرجل أهله ثم أراد أن يعود مرة ثانية فالأفضل له أن يتوضأ كي يتجدد نشاطه لما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءً وفي رواية وضوءه للصلاة )) . رواه مسلم ، زاد أبو نعيم (( فإنه أنشط للعود )) .
والغسل أفضل لما رواه أبو داود عن أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه ، قال : فقلت له : يا رسول الله ألا تجعله غسلاً واحداً ؟ قال : هذا أزكى وأطيب وأطهر )) .
وينبغي لمن أراد أن يرقد وهو جنب أن يتوضأ وضوءه للصلاة لما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب ؟ قال نعم إذا توضأ . وفي رواية توضأ واغسل ذكرك ثم نم )) .
وهذا الوضوء مستحب وليس واجب لما رواه ابن حبان من حديث عمر انه سال الرسول صلى الله عليه وسلم (( أينام أحدنا وهو جنب ؟ فقال نعم ويتوضأ إن شاء )) وروى أصحاب السنن عن عائشة رضي الله عنها قالت (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل )) وله أن يتيمم لما رواه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم ))
( 8 ) اغتسال الزوجين معاً :
ويجوز للزوجين أن يغتسلا معاً في مكان واحد لما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت (( كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد تختلف أيدينا فيه فيبادرني حتى أقول : دع لي دع لي ، قالت وهما جنبان )) .
ويستفاد من هذا الحديث جواز تعري الزوجين معاً ورؤية أحدهما عورة الآخر .
وفي ذلك حديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة معاوية بن حيدة قال (( قلت يا رسول الله : عوراتنا ما نأتي منها ونذر ؟ قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك )) فيباح لكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن صاحبه ولمسه حتى الفرج لهذا الحديث . ولان الفرج يحل له الاستمتاع به فجاز النظر إليه ولمسه كبقية البدن
( 9 ) مداعبة الزوجة :
ويباح مداعبة الزوجة في الفراش وملاعبتها لقوله صلى الله عليه وسلم ((فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك )) رواه الشيخان ولمسلم (( تضاحكها وتضاحكك ))
ومن المداعبة وحسن العشرة أن يحصل التقبيل من الزوج وان لم يكن هناك جماع .فقد كان عليه الصلاة والسلام يقبل نساءه ويباشرهن وهن حيض ويقبلهن ويباشرهن وهو صائم . كما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة وميمونة . بل وروى احمد وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت (( قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ )) وفي هذا دليل على أن تقبيل الزوجة لا ينتقض الوضوء .
( 10 ) جواز العزل :
ويجوز للرجل أن يعزل وهو الإنزال خارج الفرج لما رواه الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال (( كنا نعزل والقرآن ينزل )) وفي رواية (( كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا )) .
وان كان الأفضل هو ترك العزل لما في ذلك من تفويت كمال اللذة له ولها ولأنه يفوت مقاصد النكاح من تكثير نسل الأمة لقوله صلى الله عليه وسلم (( تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة )) .
وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال (( ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ولم يفعل ذلك أحدكم ؟ -ولم يقل فلا يفعل ذلك أحدكم – فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها )) وفي رواية فقال (( وإنكم لتفعلون وإنكم لتفعلون وإنكم لتفعلون ؟ مأمن نسمة كائنة إلي يوم القيامة إلا هي كائنة )) .
ولكن لا يجوز للمسلم أن يفعل ذلك على الدوام لان تحديد النسل أو منعه لا يجوز ويشتد الأمر حرمة إذا كان ذلك بسبب الخوف من الفقر لما في ذلك من مشابهة المشركين الذين كانوا يقتلون أولادهم خشية الإملاق .
وسُئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى : متى يجوز للمرأة استخدام حبوب منع الحمل ، ومتى يحرم عليها ذلك ؟ وهل هناك نص صريح أو رأي فقهي بتحديد النسل ؟ وهل يجوز للمسلم أن يعزل اثنا المجامعة بدون سبب ؟
الذي ينبغي للمسلمين أن يكثروا من النسل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً لأن ذلك هو الأمر الذي وجه النبي صلى الله عليه وسلم إليه في قوله (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم )) ولأن كثرة النسل كثرة للأمة وكثرة الأمة من عزتها كما قال تعالى ممتناً على بني إسرائيل بذلك (( وجعلناكم أكثر نفيراً )) ولا أحد ينكر أن كثرة الأمة سبب لعزتها وقوتها على عكس ما يتصوره أصحاب ظن السوء الذين يظنون أن كثرة الأمة سبب لفقرها وجوعها . وأن الأمة إذا كثرت واعتمدت على الله عز وجل وأمنت بوعده في قوله (( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها )) . فإن الله ييسر لها أمرها ويغنيها من فضله .
بناء على ذلك تتبين إجابة السؤال فلا ينبغي للمرأة أن تستخدم حبوب منع الحمل إلا بشرطين:
ـ الشرط الأول :
أن تكون في حاجة لذلك مثل أن تكون مريضة لا تتحمل الحمل كل سنة أو نحيفة الجسم أو بها موانع أخرى تضرها أن تحمل كل سنة .
ـ الشرط الثاني :
أن يأذن لها الزوج لأن للزوج حقاً في الأولاد والإنجاب ولابد كذلك من مشاورة الطبيب في هذه الحبوب هل أخذها ضار أو ليس بضار فإذا تم الشرطان السابقان فلا بأس باستخدام هذه الحبوب لكن على ألا يكون ذلك على سبيل التأبيد . أي أنها لا تستعمل حبوباً تمنع الحمل منعاً دائماً لأن في ذلك قطعاً للنسل .
وأما الفقرة الثانية من السؤال فالجواب عليها : أن تحديد النسل أمر لا يمكن في الواقع ، ذلك أن الحمل وعدم الحمل كله بيد الله عز وجل ثم إن الإنسان إذا حدد عدداً معيناً فإن العدد قد يصاب بآفة تهلكه في سنة واحدة ويبقى حينئذ لا أولاد له ولا نسل له ، والتحديد أمر غير وارد بالنسبة للشريعة الإسلامية ولكن منع الحمل يتحدد بالضرورة على ما سبق في جواب الفقرة الأولى ، وأما الفقرة الثالثة والخاصة بالعزل إثناء الجماع بدون سبب فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا بأس به لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه (( كنا نعزل والقرآن ينزل )) يعني في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . ولو كان هذا الفعل حراماً لنهى الله عنه ، ولو كان أهل العلم يقولون إنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها إي لا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها لأن حقها في الأولاد ، ثم إن في عزله بدون إذنه نقصاً في استمتاعها فاستمتاع المرأة لا يتم إلا بعد الإنزال .. وعلى هذا ففي عدم إستذانها تفويت لكمال استمتاعها وتفويت لما يكون من الأولاد ولهذا اشترطنا أن يكون بإذنها .
( 11 ) هل يخرج صبيحة الزواج ويزور أقاربه ؟
يستحب له صبيحة بنائه أن يأتي أقاربه الذي أتوه في داره ويسلم عليهم ويدعوا لهم وان يقابلوه بالمثل لحديث انس رضي الله عنه قال (( أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بنى بزينب فاشبع المسلمين خبزاً ولحماً ثم خرج إلي أمهات المؤمنين فسلم عليهن ودعا لهن وسلمن عليه ودعون له فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه )) رواه النسائي .
واعتاد كثير من الأزواج السفر عقب الزفاف بيوم أو يومين وهذا السفر على ثلاثة أقسام :
1- أن يفعل ذلك تشبهاً بالكفار والفساق الذين يسافرون لقضاء شهر العسل أو أيام العسل . والتشبه بالكفار ممنوع شرعاً خصوصاً إذا كان هذا السفر إلي بلاد كافرة أو بلاد يكثر فيها الفجور والتفسخ ويصعب فيه المحافظة على تعاليم الإسلام .
2- أن يسافر للعمرة ويجعل ذالك كالراتبة التي تأتي بعد الزواج مباشرة فيرى لزاماً عليه أو من المستحب أن يفعل ذلك . حتى إن بعض الناس ليستغرب إذا لم يسافر الزوج إلي العمرة بعد الزفاف . بل إن الناس يبادر الزوج بالسؤال : متى تذهب إلي العمرة . وهذا التخصيص يحتاج إلي دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
3- أن يسافر الزوج بعد ليلة من الزفاف من اجل الانفراد بالزوجة والبعد عن الانشغال بالمناسبات التي تعقب أيام العرس وحصول تمام الراحة ومزيد الألفة فهذا مباح وخير الأماكن التي يذهب إليها الزوج بلا شك مكة والمدينة.
( 12 ) وجوب وليمة العرس :
ووليمة العرس واجبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف
(( أولم ولو بشاة )) رواه البخاري ومسلم . ولما رواه احمد عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب لما خطب فاطمة (( انه لابد للعرس من وليمة )) . والوليمة تكون بما تيسر مما تعارف عليه الناس . ما لم يبلغ حد الإسراف . وقد تساهل اكثر الناس في هذا الباب إلي حد لا يجوز السكوت عنه ، ما لم نتب إلي الله ونبادر الإصلاح .
وينبغي دعوة الصالحين إليها فقراء كانوا أو أغنياء لقوله صلى الله عليه وسلم (( لا تصاحب لا مؤمناً ولا يأكل طعامك الاتقي )) رواه احمد وأبو داود .
ولا يجوز تخصيص الأغنياء بالدعوة دون الفقراء ، لقوله صلى الله عليه وسلم (( شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويمنعها المساكين ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله )) .
ويستفاد من هذا الحديث وجوب إجابة الدعوة إلا إذا اشتملت على معصية فان اشتملت على معصية فإنه لا يجوز الحضور لا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها فإن أزيلت ولا وجب الرجوع . لما رواه ابن ماجة عن علي رضي الله عنه قال ((صنعت طعاماً فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع )) زاد أبو يعلى في مسنده (( فقلت يا رسول الله ، ما أرجعك بابي أنت وأمي ؟ فقال إن في البيت ستراً فيه تصاوير ، وان الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تصاوير )) وفي الباب أحاديث آخر . وعلى هذا جرى عمل السلف . وروى أبو الحسن الحربي عن الإمام الاوزاعي رحمه الله انه قال (( لا ندخل وليمة فيها طبل ولا معزاف )) .
ويستثنى من ذلك الضرب على الدف بالنسبة للنساء والغناء المباح الذي ليس فيه وصف جمال وذكر فجور . والناس في هذه المسالة طرف ووسط .فمنهم من يحرمه مطلقاً وهذا غلو وتشدد . ومنهم من يفتح الباب على مصراعيه فيأتي بالمغنية وآلات الطرب ومكبرات الصوت ويذكر فيه شعر الغزل والحب والغرام والأمور المفسدة للقلب .وقد يبقى إلي ساعة متأخرة من الليل . ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه .لان الدف بالنسبة للنساء في الأعراس سنة ما لم يكن مصحوباً بآلات الطرب والقصائد المحرمة .
ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة إلي رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( يا عائشة ما كان معكم لهو ، فان الأنصار يعجبهم اللهو )) وفي رواية (( فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني ؟ قلت : تقول ماذا ؟ قال : تقول :
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحمر ما قلت بواديكم
لولا الحنطة السمراء ما سمنت عذأريكم
وروى النسائي والترمذي عن يحيى بن سليم قال قلت لمحمد بن حاطب : تزوجت امرأتين ما كان في واحدة منهما صوت ، يعني دفاً ، فقال محمد بن حاطب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف )) .
وينبغي للمرأة أن تتجمل بما أباح الله لها فان الأصل في ذلك الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه كالنمص وهو نتف الحاجبين وما بينهما أو تحديده . ووصل الشعر بشعر أخر ويدخل في ذلك وضع الباروكة . وتجنب أيضا الوشم وثلج الأسنان وهو بردها طلابً للحسن والجمال . ويحرم عليها أن تلبس الألبسة المحرمة لا في ليلة عرسها ولا غيرها . ولها أن تتحلى من الذهب والفضة بما جرت عادت النساء بلبسه ولو كثر .
وينبغي للزوج أن يتجمل لزوجة فان هذا من حسن العشرة ولقوله تعالى (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) . ولكن هذا التجمل في حدود المباح . فلا يجوز له أن يلبس ما يسمى دبلة الخطوبة أو يتختم بالذهب و أما الفضة فيجوز . ولا يجوز له أن يحلق لحيته أو يسبل ثوبه أو يلبس الحرير ألا ما استثناه الشارع . ويجب عليه أيضاً أن يتذكر قوله الله تعالى ((قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )).
و أخيراً أعتذر عن التقصير . والاختصار الشديد . فان الموضوع يحتاج إلي مزيد من البسط والبيان . وهناك من آداب لم أتطرق إلي ذكرها لعل الله أن ييسر لنا إضافتها فيما بعد .
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في دينه وان يعلمنا ما ينفعنا وان ينفعنا بما علمنا وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد .