على الرغم من كل التقدم الكبير في المجال العلمي
والتقني الذي يشهده
العالم في الوقت الحاضر إلا أن المخاطر التي تحيط
بنا هي الأخرى في ازدياد
كل يوم. المخاطر البيئية تزداد، فالبحار يزداد
تلوثها, وصار هذا التلوث
يشكل تهديدا للثروة السمكية، والأعاصير
المدمرة يزداد عددها سنويا وتزداد
قوتها وخسائرها المادية والبشرية
باتت كبيرة جدا، ومناطق كثيرة في العالم
صارت تعيش إما في حالة جفاف لا
يرحم وإما أمطار غزيرة تسبب سيولا وفيضانات
مدمرة تنشر الموت والدمار،
وهواء المدن صار ثقيلا لكثرة ما علق فيه من
ملوثات وغازات سامة هي
أكثر مما تستطيع أجهزة الإنسان الطبيعية أن تمنعها
من الدخول إلى داخل
أجسامنا، وحرارة الأرض ترتفع ليسخن كل شيء بسببها وتذوب
الثلوج
والنتيجة اضطراب في حركة البحار وتبدل في كثافة الهواء وانقراض
لكثير
من الكائنات الحية. كل هذه المشكلات يرجعها العلماء إلى الإسراف في
استخدام
الطاقة من مصادر غير نظيفة وغير مسالمة للبيئة الطبيعية, فالمصادر
التي
يعتمد عليها الإنسان اليوم محدودة واستخدامها يتسبب في مشكلات كثيرة.
إلى
جانب مشكلة الطاقة التي تشكل مصدر قلق للعالم، تأتي مشكلة الصحة،
فازدياد
الأمراض وتنوعها وزيادة عدد المصابين بها بالتأكيد مؤشر على وجود
خطأ
كبير في حياتنا، فإذا كان الإسراف في استهلاك الطاقة التي نأخذها من
مصادر
غير نظيفة هو السبب في اعتلال البيئة الطبيعية واضطرابها, فإن
الإسراف
في الطعام عموما هو السبب في اعتلال صحة الإنسان، فالترشيد في
الاستهلاك
مطلوب في كلتا الحالتين, لأن في غيابه ستكون النتائج كارثية.
ولعل أكثر
الأمراض التي يسببها الإسراف في الطعام مرض ضغط الدم ويليه
مرض
السكري، فكلما ازداد الإنسان وزنا بات أقرب للإصابة بهذين المرضين حتى
إن
كانت جيناته ليست من النوع الذي يعرف هذه الأمراض. فهناك مليار ونصف
المليار
إنسان يعانون زيادة أوزانهم و80 في المائة منهم عرضة للإصابة بمرض
السكري,
والوقوع في دائرة هذا المرض ومرض الضغط مسألة وقت فقط. تقدير
المنظمات
الصحية أن هناك مليارا من الناس يعانون ضغط الدم ومئات الملايين
منهم
ممن يعانون مرض السكري. في المملكة ارتفعت نسبة المصابين بمرض السكري
من
17 في المائة إلى أكثر من 25 في المائة في غضون عشر سنوات فقط, وإذا
استمر
هذا الحال على ما هو عليه فإن أكثر من نصف سكان المملكة سيصابون بهذا
المرض. وإذا كان الإنفاق على رعاية مرضى السكري في الوقت الحاضر في حدود
50
مليار ريال, فقد لا نجد الأموال الكافية لرعاية مرضى السكري في المستقبل
في ظل ارتفاع أسعار الدواء وزيادة أعداد المرضى. الإنفاق على مرضى السكري
في
الولايات المتحدة وصل إلى ما يقارب 150 مليار دولار سنويا. ومرض السكري
هو
السبب الرابع للوفيات في العالم، فهناك نحو أربعة ملايين إنسان يموتون
سنويا
بسبب هذا المرض.
أما عن الوضع في المملكة فكل المؤشرات تنبئ بمخاطر
جسيمة، فهناك نحو
أكثر من 70 في المائة من سكان المملكة ممن عندهم
زيادة في الوزن وهذه
الزيادة في أعداد الكيلوجرامات في أجسادنا كانت
نتيجته أن 70 في المائة
منهم معرضون للإصابة بمرض السكري وأن ما يقارب
60 في المائة من موتانا
ماتوا بسبب الآثار المترتبة لارتفاع ضغط الدم.
فإذا
مشكلة التلوث البيئي واعتلال صحة الإنسان هما في قائمة التحديات
التي
يواجهها الإنسان في الوقت الحاضر، فإذا كان الترشيد في الاستهلاك هو
الحل
لكلتا المشكلتين, وهو ما يجب أن نبتدئ به فورا للسيطرة على هذه
المشكلات
ومن ثم الشروع في معالجتها، فإن استخدام المصادر النظيفة
والمتجددة
للطاقة هو أمن وسلام لبيئتنا الطبيعية وصحة أجسامنا. وعند
الإنسان كثير
من المصادر النظيفة والآمنة, لكن الإنسان ـ ربما بجهله وغروره
ـ يتعمد
إغفالها والتعالي عليها, فالشمس تمد الأرض في أقل من ساعة واحدة
بما
يحتاج إليه كل الناس من طاقة في سنة كاملة، فهناك طاقة نظيفة في كل شيء
من حولنا، في حركة البحار والأنهار وحركة الهواء حتى في حركة الإنسان
نفسه.
الإنسان في حركته ينتج طاقة نظيفة بالإمكان أن نوظفها في كثير من
أوجه
الحياة, لكن ـ مع الأسف ـ نحن لا نعرف قدر هذه الطاقة، وطاقة حركة
الإنسان
بمقدار هي طاقة نظيفة فإنها طاقة تجدد من صحة الإنسان وتقيه
الإصابة
بأمراض كثيرة.
المشي فعلا تشغيل لجسد الإنسان لينتج طاقة مختزنة في
داخله يجدد بها
صحته ويقوي بها مناعته في مواجهة الأمراض, وهي طاقة غير
ملوثة للبيئة, بل
إنها تنتظر من الإنسان أن يوظفها خدمة لأغراضه
المتعددة. كثير من الأطباء
يرى في المشي أنه أحسن وصفة طبية يحصل عليها
الإنسان وبالمجان, فأي مقدار
من المشي يقوم به الإنسان يعود عليه
بمكاسب صحية. كل عضو في جسد الإنسان
وكل جهاز فيه ينتفع عندما يمشي
الإنسان، فالمشي يحسن من مجرى الدم في
العروق ويساعد على التنفس العميق
والسليم ويقوي الجهاز المناعي، وتقوى به
عضلات القلب وتنشط به خلايا
المخ وبه تزداد العظام متانة وقوة، حتى نوم
الإنسان وأحلامه ينتفعان
بالمشي, فيكون النوم مريحا وعميقا والأحلام تكون
لطيفة ومبهجة. أحدث
الدراسات الصحية التي قامت بها جامعة هارفارد ذكرت أن
الإنسان الذي
يمشي بمعدل 30 دقيقة في اليوم وبمجموع ثلاث ساعات في الأسبوع
بمقدوره
أن يقلل من نسبة إصابته بأمراض القلب بحدود 40 في المائة, وأن يقلل
من
نسبة إصابته بمرض السكري بمقدار النصف. فكل شيء يتحسن في جسم الإنسان
بمجرد
أن يمشي 30 دقيقة في اليوم وبسرعة ثلاثة أميال في الساعة، حتى
المشكلات
الأسرية تقل عند الذين يمشون لأنهم أقل عرضة للاكتئاب وأقل توترا
من
غيرهم.
أما عن استثمار حركة الإنسان عموما والمشي بالخصوص في توليد
الطاقة
النظيفة، فهناك فعلا بحوث جدية ومحاولات جادة للاستفادة من هذه
الطاقة،
فعندما يتحرك ثلاثة مليارات إنسان ولو بمقدار كيلو متر واحد
فإن ما ستنتجه
هذه الحركة من طاقة نظيفة فعلا سيكون مؤثرا وملموسا في
حياتنا. أحد
المهندسين في أمريكا استطاع أن يستفيد من مشي الإنسان في
إنتاج طاقة لتعبئة
خزان المياه في المساكن, وكان هذا واحدا من الأشياء
التي أخذ بها في
تصميمه قريته الصحية التي تتمحور فكرتها حول حركة
الإنسان ومشيه.
نحن في المملكة في حاجة فعلا إلى أن نتحرك ونمشي أكثر،
فمن غير المقبول
والمنطقي هذا الاعتماد الكبير على السيارة في حياتنا
اليومية، لقد صرنا
نذهب بالسيارة إلى البقالة التي لا تبعد عنا إلا
مجرد أمتار قليلة، ولا
نذهب إلى المساجد التي هي قريبة منا إلا
بالسيارة, ونحاول بكل جهدنا أن نقف
بسياراتنا عند أقرب نقطة من المكان
الذي نريد الوصول إليه حتى لا نمشي،
وصار الكسل حتى في بيوتنا, فكل من
في البيت من زوج وزوجة وأولاد يطلبون من
الخادمات الإتيان بحاجاتهم
لأنهم أكسل من أن يمشوا هذه الخطوات القليلة في
بيوتهم. عندما سئل جراح
القلب المشهور مايكل دبيكي, وهو أمريكي من أصل
لبناني, عن سر صحته وهو
في التسعين من عمره أجاب بأنه في أثناء عمله يقوم
بحاجاته ولا يطلب
المساعدة من أحد ويستخدم السلم بدل المصاعد، فهو يعتمد
الحركة والمشي
على الرغم من عمره وكثرة المساعدين حوله.
هل نستطيع نحن في المملكة أن
نجعل من المشي عادة في حياتنا؟ صحيح أن
الحرارة والرطوبة ربما تمنعانا
من المشي في بعض الأوقات وتحت ظروف معينة,
لكن هناك بدائل أخرى, وهناك
ما يقارب نصف السنة تكون فيها الأجواء مناسبة.
الآن في أمريكا وأوروبا
يتعمدون جعل مواقف السيارات بعيدة عن أماكن العمل
والسكن ليجبروا الناس
على المشي، أما نحن فنصر على الوقوف عند أقرب نقطة
حتى ولو كان هذا
الوقوف بشكل مخالف لأنظمة المرور, وكل ذلك حتى لا نمشي
خطوة أكثر من
اللازم. هناك حاجة إلى إدخال ممارسة المشي في المدارس والعمل
والتسوق,
وهذا يتطلب منا توفير بعض المستلزمات، فهل الأرصفة في مدننا مهيأة
للمشي؟ هل الناس فعلا واعون بالأثر الصحي للمشي؟ هل خططنا مدننا بالشكل
الذي
يشجع فعلا على المشي أم أن مدننا فعلا تشجع الحركة بالسيارة؟ فهي مدن
سيارات
وليست مدنا للناس, بل إن المشي في مدننا صار نوعا من أنواع المخاطر
غير
المحمودة