ونستطيع أن نلخص تركز الحفريات الصهيونية جغرافياً:
* غرب المسجد الأقصى.
* جنوب المسجد الأقصى.
* جنوب الحفريات الجنوبية.
من الواضح أن حديثنا أعلاه قد تركز بشيء من التفصيل على الحفريات تحت المسجد الأقصى المبارك وتحت أسواره وجدرانه، من حيث سنوات الحفريات وطول الأنفاق وعمقها وسنوات البدء بها.
ولكن لوحظ أن هذه التفاصيل قد بدت شحيحة بعد منتصف السبعينيات مقارنة بالمعلومات التي كانت تتعلق بالحفريات ما بين الأعوام 1967م - 1975م، ولعل االسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: لماذا لا يتم استمرار الحديث عن نفس هذه الحفريات بنفس الطريقة أو بنفس روح ما بعد منتصف السبعينيات؟
يقول الأستاذ أحمد فتحي خليفة، الباحث في شؤون القدس والأقصى للبيان:
1 - إن الحفريات الصهيونية ابتعدت عن عيون الناس وملاحظاتهم، كما أنها ابتعدت عن شوارعهم وأزقتهم؛ وذلك لأن سير هذه الحفريات اتجه من تلك المناطق السكنية القريبة من ملاحظة الناس إلى داخل الحرم، وهي نسبياً بعيدة عن ملاحظات المواطنين.
2 - يضاف أن الصهاينة كانوا قبل عام 1975م يسمحون للباحثين والكتاب أن يبحثوا ويطلعوا على سير عمل تلك الحفريات، أما بعد هذا التاريخ فقد منعت المؤسسة اليهودية الحاكمة هؤلاء الكتاب والباحثين ـ بمن فيهم من كتابهم وباحثيهم الذين كانوا يكشفون النقاب عن هذه الحفريات ـ من الاطلاع على أدنى حد من المعلومات المتعلقة بالموضوع.
3 - إن ما تقوم به السلطات الصهيونية من إغلاق لبوابات الحرم بعد نصف ساعة من انقضاء صلاة العشاء يمنع ملاحظة ومعرفة ما يدور من حفريات تحت المسجد الأقصى.
أما الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية ورئيس مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، فقد أعرب عن استيائه ومرارته لعدم توفر معلومات واضحة موثقة بالصورة والخريطة وقال: «إنه لا يوجد أحد من شعبنا الفلسطيني أو من عالمنا العربي والإسلامي يملك الإجابة عن حجم الخطورة المحدقة بالمسجد الأقصى» ملمحاً بعدم المعرفة العميقة بسير وخطورة الحفريات الجارية أسفل المسجد الأقصى المبارك.
ولكن مع كل ذلك فإن هناك الكثير من الشواهد والأدلة التي تؤكد استمرار الحفريات بالمسجد الأقصى المبارك، بل وحتى بدأت تهدد مناطق حساسة جداً مثل مسجد قبة الصخرة المشرفة.
وأشار الباحث أحمد فتحي خليفة في نفس المقابلة أن الحفريات وصلت أسفل باحات الحـــرم القدســي الشـــريف ولا سيما تحت المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، ويستدل الأستاذ أحمد على ذلك بالتصدعات والشقوق التي بدأت تظهر بكل وضوح على قطع الرخام المصفحة لجدران قبة الصخرة المشرفة إضافة إلى المنطقة الشرقية الغربية وفوق المحراب مباشرة، ويجزم الأستاذ أحمد خليفة أن هذه الشقوق تعود إلى الفراغات الموجودة تحت قبة الصخرة المشرفة. وبالطبع فإن هذه الفراغات سببها الحفريات الصهيونية تحت قبة الصخرة وباحات المسجد.
إضافة إلى كل ذلك يشير الأستاذ أحمد إلى أن المسجد الأقصى المبارك يحوي على 43 بئراً تتصل فيما بينها منها ما يصل عمقه إلى 20 ـ 25 متراً، ويرجح الأستاذ أحمد خليفة أن اليهود قاموا بربط جميع الآبار بعضها مع بعض (أي فتحوها على بعضها البعض)، ويخلص إلى نتيجة مفادها أن اليهود قد سيطروا سيطرة كاملة على الطبقة الجوفية للأقصى.
أما الشيخ رائد صلاح فقد ذكر لنا في نفس المقابلة العديد من الأدلة والبراهين التي تؤكد بشكل لا لبس ولا ريب فيه أن المؤسسة اليهودية ماضية في تنفيذ مخططاتها ومن هذه الأدلة:
1 - ما نقله إليه المواطنون من آل الأنصاري ومن آل الدجاني الذين يقطنون في بيوت ملاصقة للمسجد الأقصى المبارك ما يسمعونه من أصوات اهتزازات تنبع من تحت المسجد الأقصى المبارك.
2 - ما نقله له الحراس من مشاهداتهم للشاحنات الكبيرة وهي تنقل أتربة من تحت المسجد الأقصى المبارك.
3 - ويذكر الشيخ رائد صلاح ما أشارت إليه صحيفة هآرتس (البلاد) الصادرة في 11/8/1999م عما اكتشفه حاخام حائط المبكى في يوليو سنة 1981م من نفق يتجه تحت قبة الصخرة.
4 - ما نقله له أحد العاملين في سلك الآثار الفلسطينية أن إحدى ورشات عمل الحفريات الإسرائيلية قد تقدمت في الحفريات ووصلت حتى منطقة «الكأس» الواقعة بين قبة الصخرة والمسجد الأقصى المبارك.
5 - ما نقله له حراس المسجد الأقصى من أنهم يسمعون أصواتاً قوية أسفل المسجد الأقصى شبيهة بأصوات حفريات وانفجارات.
6 - ما وصل للشيخ رائد من معلومات تؤكد أن الكيان الصهيوني يستعمل حوامض كيميائية تساعد في تفتيت الصخور.
7 - ما نقله له أحد رجالات الوقف الإسلامي في القدس أن هناك حفريات تتم أسفل المدرسة التنكزية وتصل هذه الحفريات تحت قبة الصخرة المشرفة.
8 - ما نقله له بعض موظفي لجنة التراث في بيت المقدس من سماع أصوات اهتزازات وضربات بالقرب من باب الرحمة؛ وذلك بتاريخ 3/2/2000م، وتبين لاحقاً أن هذه الأصوات صادرة من رجل يتبع لتنظيم جماعة «جبل أمناء الهيكل» كان يحفر في قبر (السادة المولوية) محاولاً فتح باب لنفق هناك. ويشير الشيخ رائد صلاح أن المؤسسة الإسرائيلية تهدف من وراء حفرياتها ـ طبعاً بالإضافة إلى هدفها الاستراتيجي وهدم الأقصى وبناء الهيكل ـ إلى السيطرة والتحكم بجميع المباني التابعة للأقصى.
الشيخ صلاح كانت له تجربة مباشرة مع هذه الحفريات يحدث البيان عنها قائلاً: «أنا دخلت في الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى المبارك..، وهذه الزاوية تمثل مدخلاً إلى أحد الأنفاق التي بدأت المؤسسة الإسرائيلية بحفر نفق هناك في سنوات التسعينيات، وأنا شخصياً دخلت إلى هذا النفق بعمق تسعة أمتار، ومشيت في هذا النفق بامتداد حوالي مائتي متر باتجاه يوازي ساحة الأقصى من الجنوب ومن الغرب، ووجدت أن هذا النفق يتفرع منه عدة أنفاق صغيرة تصل إلى أساسات المسجد الأقصى المبارك.
ويتابع: (ما أؤكد عليه هنا ليس هو الشيء الوحيد الموجود من حفريات في ساحة المسجد الأقصى المبارك، وليس هو مشروع التآمر الوحيد لضرب المسجد الأقصى المبارك، بل هناك مبادرات كثيرة تحاول جهات كثيرة أن تنفذها بهدف الوصول إلى بناء هيكل على حساب المسجد الأقصى المبارك).
وسألته البيان عن وجود مخطط صهيوني حقيقي لهدم المسجد الأقصى، أم أن هناك مبالغات فيما يتعلق بهذا الجانب؟
فقال: (لا أقول هناك مخطط، هناك مخططات، ولا أقول إن هناك فقط مخططات، بل هناك تنفيذ؛ فالآن يجري تنفيذ بعض جوانب هذه المخططات في ساحة المسجد الأقصى المبارك، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، إذا أردت أن أستعرض أمثلة سريعة:
- في عام 1996م عندما قام في حينه نتنياهو بدخول نفق سمي اسماً تضليلياً بنفق (الحشمو نائيم) هو جزء من مخطط موجود.
- افتتاح إيهود باراك السابق لمكان تم تبليطه في الجهة الجنوبية من ساحة الأقصى المبارك.
- جزء من هذه المخططات التأكيد الذي سمعناه في الماضي من رؤساء حكومات إسرائيليين سابقين بما في ذلك رئيس الحكومة الحالي وبعض وزرائه ـ على أنهم ـ يصرون على سيادة مطلقة على الأقصى المبارك هو تأكيد على هذه المخططات.
- تأكيد الحاخامية الدينية الأولى في شخص الحاخام (لاو) والحاخام (دورون) على أن هناك سيادة مطلقة على الأقصى هي جزء من هذه المخططات.
- مطلب البعض ببناء كنيس في داخل الأقصى المبارك، ومطلب البعض بتحويل المدرسة العمرية إلى كنيس وهي جزء من الأقصى المبارك.
- وجزء من هذه المخططات ما تم تنفيذه حتى الآن هو إزالة مقبرة تاريخية كانت فيما مضى في الزاوية الجنوبية الغربية للأقصى المبارك .
- تحويل حائط البراق الذي هو جزء ثمين من الأقصى المبارك إلى ما يسمى ـ تضليلاً ـ الآن بحائط المبكى وهو جزء من هذه المخططات).
ويكشف الشيخ رائد صلاح أن بعض علماء الآثار اليهود مثل (بن دوف) و (هرتزوك) يقولون بالحرف الواحد: إنه بعد حفريات استمرت أكثر من ثلاثين عاماً لم يجدوا ولو قطعة حجر تدل على وجود أثر إسرائيلي ديني في حرم الأقصى المبارك.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن إسرائيل تفرض حصاراً على الأقصى؛ حيث لا يسمح بإدخال أية مواد بنائية تساعد على ترميم الأقصى). وتعهد الشيخ صلاح بالاستمرار بكل المشاريع التي من شأنها تثبيت الحق الإسلامي في القدس والأقصى، وتساعد في منع تقدم واستمرار الحفريات الإسرائيلية.
- هل تهدد الحرم بالانهيار فعلاً؟
يقول الشيخ رائد صلاح: (هذه الحفريات لها نتائج كثيرة جداً، ومن أخطر هذه النتائج أنها قد تهدد حرم المسجد الأقصى بالانهيار، بحيث تعطي الإمكانيات للمؤسسة الإسرائيلية -الدينية والسياسية ـ أن تفرض سيطرة على ما يوجد تحت المسجد الأقصى المبارك من تحت الأرض، ومن خلال هذه السيطرة قد تسيطر على أماكن فوق الأرض).
ويتابع: (هناك مدرسة اسمها المدرسة العمرية تقع في الزاوية الشمالية الغربية للمسجد الأقصى المبارك، هذه الزاوية يطالبون الآن أن تحول إلى كنيس يهودي، تحت هذه المدرسة هناك أنفاق تسير وتصل مباشرة إلى الصخرة المشرفة؛ فالذي يسيطر على المدرسة العمرية والذي يسيطر على هذه الأنفاق طمعه واضح في المستقبل أن يسيطر على الصخرة المشرفة التي تقع بالضبط في وسط ساحة المسجد الأقصى المبارك.
ومما يشار إليه أن إسرائيل قامت منذ عام 1948م وحتى الآن بهدم ما يقرب من ألف ومائتي مسجد واقتلاع آلاف المقابر، وقامت بتحويل كثير من المساجد إلى خمارات ومطاعم ومراقص ليلية وبيوت للدعارة وأوكار للمخدرات مثل مسجد (عين كارم) الذي يستخدم الآن وكراً لأعمال الرذيلة، ومسجد (مجدل عسقلان) الذي حول إلى متحف ومطعم وخمارة، ومسجد (البصة) الذي حول إلى حظيرة أغنام، ومسجد (العفولة) الذي حول إلى كنيس يهودي، والمسجد الأحمر في صفد الذي حول إلى ملتقى الفنانين.
أما مقابر المسلمين فقد حول بعضها إلى مزابل. أما أوقاف المسلمين فإن ريعها يحول الآن إلى وزارة الأديان الإسرائيلية، ويصرف على خدمة الكنس اليهودية ورواتب الحاخامات؛ فهل هي الآن عاجزة (أخلاقياً، وأيديولوجياً، وعملياً) عن هــــدم المســجد الأقصى المبارك آجلاً أم عاجلاً؟