الفكر التربوي عند أبي حامد الغزالي:
حفلت كتب الامام الغزالي بالأفكار والتوجيهات التربوية ، خاصة في كتابيه ،
الإحياء ، ورسالة ايها الولد ، وكما درجت العادة في هذا البحث سوف تتم
مناقشة أفكار الشيخ الغزالي على شكل نقاط منتقاة فيما يلي :
أولا :
تقسيم العلوم :
1-العلم الذي هو فرض عين عند الغزالي ينقسم الى قسمين : علم معاملة وعلم
مكاشفة ، وهذا العلم العيني هو علم المعاملة ، وعلم المعاملة مكلف به
المسلم العاقل ، وهو ثلاثة أقسام : اعتقاد وفعل وترك ، ومثال هذا العلم ،
تعلم الشهادتين وفهم معناهما.
2- العلم الذي هو فرض كفاية ، والشيخ هنا قسمها الى : علوم شرعية ، والتي
مصدرها الأنبياء والمرسلين ، والقسم الثاني : العلوم غير الشرعية ، وهي
ثلاثة اقسام : محمودة مثل الطب وعلم الحساب ، ومذمومة كعلم السحر
والشعوذة،ومباحة كالعلم بالاشعار ونوادر الأخبار.
كما قسم العلوم المحمودة أيضا الى أربعة انواع :
الأصول : وهي أربعة ، كتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الأمة ، وآثار الصحابة
الفروع : وهي العلوم المستنبطة من الأصول ليس لفظا بل بالمعنى الذي تستنبطه العقول .
المقدمات : وهي العلوم التي تعد كالآلة لفهم علم الكتاب والسنة ، مثل علم اللغة والنحو .
المتممات : مثل علم القراءات ، ومخارج الحروف والتفسير والناسخ والمنسوخ .
ثانيا : آداب المعلم والمتعلم :
تحدث كثير من المفكرين التربويين عن آداب طالب العلم ، وآداب المعلم ،
ولكن الغزالي انفرد بتبيان آداب المتعلم بصورة أكثر تفصيلا ، وأدق فكرا ،
ومن هذه الآداب :
1- نبه الغزالي الى ضرورة صحبة المتعلم للعالم ، لان التعليم اقتداء ،
والمعلم يهذب اتجاهات التلميذ وينقيها من آثار التربية الأولى الخاطئة .
2- حدد عشر خصال على طالب العلم ان يتمسك بها ومنها :
3- عدم التكبر على المعلم ، والتخفف من علائق الدنيا ، وأن يبتعد عن مواطن
الاختلاف في بداية طلبه للعلم ، ان يراعي الترتيب في تعلم العلوم ويبتديء
بالأهم .
4- قدم ظائف للمعلم ، ومنها :
أن يكون المعلم محبا شغوفا بالمتعلمين ، ان يقتدي بصاحب الشرع صلى الله
عليه وسلم ، ان لا يعنف طالب العلم ، ان لا يقبح العلوم الأخرى ، أن
يستمر المعلم في تطوير قدراته .
ثالثا : تربية الطفل عند الغزالي اهتم الغزالي بتعليم الصبيان
وتربيتهم ، وبدأ من الحضانة فدعى الى ان تتولى حضانته وارضاعه المرأة
المتدينة ، وهنا ملخص لآرائه في تربية الطفل:
- دعوة المدرسين الى دراسة مراحل النمو لدى الأطفال .
- التدرج في تعليم الأطفال
- الإكثار من ضرب الأمثلة الحسية للأطفال
- عدم التمادي في عقاب الطفل .
- شغل وقت الفراغ .
كما وجدت مقاله عن الكتاب
إن بعض العلماء مثل الغزالي قسم العلوم إلى علوم شرعية وغير شرعية ، ولكن
تقسيمه هذا هو تقسيم اصطلاحي فقط حيث قصد بالعلوم الشرعية : ما استفيد من
الأنبياء عليهم السلام ، ولا يرشد العقل إليه أي الوحي ، وبغير الشرعية :
غير الوحي ، وهو اصطلاح خاص به لا مشاحة فيه ، أما من حيث الحكم الشرعي فإن
الغزالي نفسه جعل كثيراً من العلوم التي سماها غير شرعية من فروض الكفايات
، حيث قال : ( فالعلوم التي ليست بشرعية تنقسم إلى ما هو محمود ، وإلى ما
هو مذموم ، وإلى ما هو مباح فالمحمود ما يرتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب
والحساب ....) ثم قال : ( ...إن الطب والحساب من فروض الكفايات ، فإن أصول
الصناعات أيضاً من فروض الكفايات كالفلاحة ، والحياكة ، والسياسة ، بل
الحجامة ، والخياطة
فإذا كانت هذه العلوم من فروض الكفاية التي إذا تركت تأثم الأمة جميعاً
فكيف لا تكون شرعية من حيث الحكم فمرتبة الفرض أو الايجاب تقع في قمة مراتب
الأحكام الشرعية .
وإذا كان هذا تقسيم العلوم إلى شرعية وغير شرعية كان اصطلاحاً محضاً لكنه
مع مرور الزمن أصبح حقيقة ، وانفصل العلمان ، وترسخت النظرة إلى أن العلوم
الشرعية هي علوم الوحي فقط ، وبذلك أهملت الأمة الجانب الآخر المكمل ،
فضعفت لأنها لم تأخذ بسنن الله تعالى التي تعتمد على العلم (بجميع فروعه)
في النصر والهزيمة والقوة والضعف ، والتقدم والتخلف ، فقد كانت آية
الاستخلاف لآدم واضحة جداً في انه لو كان معيار الأحقية قائماً على أداء
الشعائر والعبادات بمعناها الضيق فإن الملائكة هم أولى بالاستخلاف في الأرض
، لأنهم لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ)[ بل هم يسبحون دائماً بحمد ربهم ويقدسون ، ولكن المعيار عند
الله تعالى لتحقيق الاستخلاف ليس ذلك المعيار فقط بل هو معيار العلم الشامل
الذي يسخر لتعمير الأرض والعقل والإرادة والاختيار والقدرة على الإبداع
والتعمير ،و لذلك اختار : (من يكون من ذريته من يفسد في الأرض ويسفك
الدماء) ولكنه القادر على تنفيذ هذه الأمة ، كما هو القادر على الصلاح
والإصلاح من خلال المنهج الرباني .
وكان من آثار هذا التقسيم هذه الازدواجية بين علوم الدين وعلوم الدنيا
التي نعاني منها اليوم مع أن الحق هو أن جميع العلوم النافعة من مقاصد هذا
الشرع العظيم ، ولذلك تحققت الحضارة الإسلامية ـ كما سبق ـ عندما كان
الخطاب ـ الديني والدنيوي حسب مصطلحهم ـ يسيران على شكل خطين متوازيين يكمل
بعضهما البعض ، وحينما ضعف احدهما ضعف الآخر ، ففي عصور النهضة الإسلامية
كان هناك مبدعون في الفقه والأصول والحديث .... كما انه كان هناك مبدعون في
الطب والرياضيات والكيمياء والفلك ، وحينما جاء عصر الجمود والتخلف ضعفت
علوم الفقه والحديث والتفسير.... كما ضعفت علوم الطب والهندسة....